الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 7-أبريل-1986 م
إن الإسلام نظام إلهي عام وشامل لجميع مرافق الحياة البشرية لكي ينشأ في ظل هذا النظام مجتمع إنساني مثالي فاضل ، بحيث يكون كل حركاته وسكناته ، وكل لحظة من لحظاته ، ومثلا حيا للمثالية والفضلية والصلاح والتقوى ، وأن بناء المجتمع المثالي هو الخطوة الأولى لبناء أمة مثالية حتى تكون الدولة التي تتكون لها ومنها وبها دولة مثالية في جميع مجالات الحياة ، وأنا بناء مثل هذا المجتمع فإنما يتم بتربية أفراده على الآداب والأخلاق والمعاملات الفاضلة المثالية لأن مجتمع لا يتكون إلا من أفراده وإذا كانوا على جانب من الخلق والفضيلة والصلاح فيكون المجتمع المتكون منه مجتمعا صالحا وفاضلا فيعيش جميع أفراده في تعاون وتآلف وفي ظلال الأمن والطمأنينة والاستقرار ، وهذا هو الهدف المنشود من كل نظام ودستور ، ومن هذا المنطلق قد تعود هذا الباب – القضايا الإسلامية – منذ صدور هذه الجريدة الغراء ، وقد عود قراءها الكرام ، على تناول قضايا ومسائل وأحكام ، ومبادئ وتعاليم تساعد على خلق مجتمع فاضل ومثالي يتمسك بأخلاق وعادات ، وآداب وخصال ، في الحياة اليومية في جميع المرافق سواء في الحياة الشخصية والزوجية والعائلية والمنزلية والاحتماعية ، وكذلك في كل شؤون الحياة حتى في المأكل والمشرب والمنام والمجلس والملبس والآن دعنا نقوم بتطواف سريع حول بعض الآداب والمستحبات والمكروهات في بداية السفر وأثنائه وعند العودة منه تعميما للفائدة واستيفاء لما عقدنا العزم عليه من بيان أخلاقية المجتمع الصالح .
آداب بدء السفر
لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال مستحبة عند خروج الإنسان في سفر ، الأول : اختيار اليوم والوقت ، والثاني : اختيار الرفقة والصحبة ، والثالث : اختيار وسائل الرحلة من دابة أو مركب وما إلى ذلك وسائل الانتقال بنفسه وأمتعته .
وبالنسبة إلى الأمر الأول كفانا استرشادا واقتداء الحديثان المرويان في الصحيحين فأولهما ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ، ( متفق عليه ) . وثانيهما ما جاء في رواية الصحيحين أيضا : “لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلا في يوم الخميس” (متفق عليه) . ويستدل من هاتين الروايتين استحباب الخروج للسفر يوم الخميس ، ولكن لا يفهم منهما حكم اللزوم أو الالتزام لأن نص الرواية لم يرد بصيغة الأمر أو الحث عليه ولكن تبين عادته المفضلة .
وأما بالنسبة إلى الوقت المستحب لبدء السفر فهو أول النهار ، لحديث رواه الإمامان أبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “اللهم بارك لأمتي في بكورها ” ، وجاء في روايتهما أيضا : وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار ، وكان صخر تاجرا ، فكان يبعث تجارته أول النهار فأثري وكثر ماله ، (أبو داود والترمذي ) .
والخصلة الثانية من آداب السفر هي الرفقة والصحبة فقد وردت عدة أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على استحباب الرفقة والصحبة في السفر والرحلة قصيرة كانت أو طويلة ، وعلى استنكار الوحدة ، ومنها ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب ” ، وجاء في رواية أبي داود أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم” .
وبعد اختيار اليوم والوقت والرفقة يدخل السفر في مرحلة التحرك وهنا تأتي آداب ركوب الراحلة بدء الرحلة .
آداب الركوب
لقد علمنا ملامح من مستجبات بداية الرحلة من اختيار اليوم والوقت ولراحلة والرفق بها ، وعند ركوب المرفق أو المركب الذي نختاره لاستخدامه في السفر يجب أن نتذكر أولا نعمة من كبريات نعم الله تعالى على عباده وهي توفير وسائل الانتقال المختلفة برا وبحرا وجوا في مختلف الظروف والحالات وإلى هذه النعمة الكبرى يشير قوله تعالى : “وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون” (الزخرف : 13) .
وبعد استذكار هذه النعمة في القلب يقول عند الركوب : “سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له لمقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ” . وجاء في بعض الروايات أيضا استحباب صلاة السفر حيث يصلي الناوى للسفر ركعتين قبل الخروج للسفر بنية نافلة السفر .
عند الرجوع من السفر
ومن السنة صلاة ركعتين عند القدوم من السفر والأفضل ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جوار بيته حيث يصلي فيه ركتعي القدوم ثم يدخل بيته وجاء في الحديث الشريف ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ” (متفق عليه) .
وإذا عاد إلى قريته أو مدينته يستحب أن يقول : “آئبون تائبون عابدون لربنا ساجدون” ، لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله وأسرته إذا قضى حاجته من سفره فقال : “فإذا قضى أحدكم نهمته (مقصوده) من سفره فليعجل إلى أهله” (متفق عليه) .