الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 26-مايو-1986 م
متى يباح الفطر للمسافر ؟ هل الأفضل للمسافر الصيام أو الإفطار ؟ وما حكم من نوى الصوم ليلا ثم قرر السفر نهارها ؟ وما هي مدة فطر المسافر ؟
هذه مسائل تخطر ببال كثير من المسلمين اليوم وخاصة عندما يقرب موسم الإجازات وعطلة الدراسات في المدارس والجامعات وفيما يلي تطواف موجز حول الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه المسائل الملحة التي يجب على كل مسلم غيور أن يكون ملما بها وعاملا بموجبها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبينا موضحا تلك الآية الكريمة الخاصة بالسفر والمسافرين خلال رمضان إلا وهي :”ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر” (البقرة) “هي وخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه” (رواه مسلم ) وروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال :
“إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى وهي :” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه” ، فأثبت صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام إذ قال : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكينم” وأخرج هذه الرواية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الإمام أحمد والإمام أبو داود والإمام البيهقي رضي الله عنهم بسند صحيح ويفهم من هذه الإشارة القرآنية والإرشادات النبوية ورواية الصحابة الكرام أن الفطر أفضل في السفر لمن تحقق الضرر واشتدت المشقة ولو قدر عليه بصعوبة وذلك قبولا لرخصة الله تعالى له وامتنانا بتيسيره على عباده .
مسافة السفر الذي يباح فيه الفطر
إن المسافة التي تعتبر للفطر في السفر مقدارها حوالي (واحد وثمانين) كيمومترا عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وأن مقدارها حوالي 89 (تسعة وثمانين) كيلومترا عند الأئمة الثلاثة (الشافعي وأحمد ومالك) رضي الله عنهم ، وأما في مذهب الإمام الظاهري فإن مسافة 5 (خمسة) ونصف كيلومترا تعتبر حدا للسفر الذي يباح فيه الفطر وأن الرأي الراجح عند جمهور العلماء هو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة المذكورين وأما قول “الظاهرية” فهي مبني على الاجتهاد القائم على مفهوم إطلاق كلمة “السفر” في القرآن بدون تحديد المسافة وتعيين المدة فكل ما يطلق عليه لفظ “السفر” يندرج تحت الحكم المربوط به وكذلك ينطبق حكم السفر على من سافر بطريق السير على الإقدام أو بطريق المواصلات البرية أم البحرية أو الجوية بناء على الأخذ بإطلاق كلمة السفر وعموميته شكلا وموضوعا (ولكل وجهة هو موليها ، والله أعلم وهو المستعان ومنه التوفيق والغفران) .
مدة السفر الذي يباح فيه الفطر
عند علماء المذاهب الحنفي : يجوز الفطر مالم ينو الإقامة خمسة عشر (15) يوما متواصلا بمكان واحد ، وعند الأئمة الآخرين : إذا نوى المسافر إقامة أقل من أربعة أيام يجوز له الفطر ، وإن نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر غير يومي الوصول والمغادرة وجب عليه الصيام وأما من لم ينو الإقامة لعدم معرفة موعد عودته إلى بلده فحكمه حكم المسافر لأن جواز الفطر وعدمه يدور مع نية الإقامة المؤكدة وإذا عاد إلى بلده نهارا فيستحب له الإمساك بقية النهار حتى الغروب تمشيا مع روح الاحترام والاعتزاز بحرمة شعور الصائمين المقيمين ووقار نهار رمضان المعظم وأما الأحناف فيقولون بلزوم الإمساك في هذه الحالة.
أيهما أفضل للمسافر ؟
روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أن حمزة بن عمر الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر؟ فقال : “إن شئت فصم وإن شئت فأفطر” (متفق عليه) وهذا الحديث نص في إثبات الخيار للمسافر بين الصوم والإفطار وجاء في حديث لأبي الدرداء رضي الله عنه قال :”خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة” (رواه مسلم) .
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة فسار هو ومن معه من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ “الكديد” وهو ماء بين عسفان وقديد – أفطروا أفطروا” ، وقال ابن عباس رصي الله عنهما :”خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان وصام المسلمون معه حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون يعلمهم أنه قد أفطر فأفطر المسلمون” (رواه أحمد) .
وأما إذا نظرنا إلى أقوال الأئمة في أفضلية الصيام أو عدمها في السفر فنرى الإمام أحمد رضي الله عنه يقول : الفطر أفضل : فبينما يقول البعض أن الصوم أفضل في السفر لمن قوى عليه ، والفطر أفضل لمن لم يقو عليه لحديث أبي الدرداء المذكور ففيه فطر من اشتد عليهم الحر من الصحابة ولم يقووا على الصيام وصيام النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة لأن الحر لم يجهدهما .
حكم من نوى الصيام ليلا وسافر نهارا
هذه مسألة هامة ذات أشكال ووجوه وأحكام اجتهادية وقياسية فإذا شهد أول رمضان في الحضر وقد قرر السفر قبل ثبوت الرؤية ، فيجوز له الفطر ولو قدر على الصيام أثناء السفر وذلك بخلاف ما إذا نوى الصيام ليلا ثم شرع في السفر نهارا فلا يجوز له الفطر في ذلك اليوم عند بعض أئمة المذاهب ، وأما الإمام أحمد فعنده يجوز له الفطر في ذلك اليوم ، وذلك بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق ، إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في رمضان من المدينة صائمين ثم أفطروا عندما بلغوا منطقة الكديد وقد ثبت به أن المسافر يجوز له أن يصوم بعض اليوم في رمضان دون بعض كما ثبت من ذلك الحديث الشريف : أن المسافر إذا جاوز مساكن البلد الذي يقيم فيه يباح له الفطر ، وذلك بدليل رواية عبيد بن جبير إذ قال : “ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط إلى الاسكندرية في سفينة فلما دفعنا من مرسانا امر بسفرته فقربت ثم دعاني إلى الغداء وذلك في رمضان فقلت : يا أبا بصرة والله ما تغيبت عنا منازلنا بعد ، فقال : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : لا ، قال : فكل فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا” (رواه أحمد وأبو داود) .
وجدير بالفهم والاعتبار أن كل سفر يباح فيه قصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصيام ولنا أسوة حسنة وقدوة بينة في سيرة سيد الصائمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .