صوت الهند – القاهرة أكتوبر 1970 م
عصر برهمانات :
أشرنا إلى “العصر الفيدي الأول” الذي تم فيه تدوين كتب “فيدا” الأربعة الأصلية ، وذكرنا أن هذا العصر انتهى في القرن السابع ق .م ثم جاءت مرحلة شروحها حيث بدأ البراهمة يكتبون الشروح والتفاصيل لكتب “فيدا” الأصلية ، وتبدأ هذه المرحلة من حوالي القرن السابع ق.م ، وتسمى هذه الشروح التي وضعت “للفيدا” بأيدي البراهمة “برهمانات” كما أطلقوا على عصر هذه المرحلة اسمها أي “عصر برهمانات” .
ثم بدأت جماعة من أهل العلم والنظر ، من أتباع “فيدا” يلخصون كتبه الطويلة المفصلة في أسفار موجزة ، ورتبوا هذا التلخيص حسب الموضوعات الواردة فيها ، فسمى كل هذه التلخيصات الفيدية “أوبانيشاد” وعرفت هذه المرحلة المستمرة من القرن السادس ق.م إلى ما بعده بقرون بعصر “أوبانيشاد” ، وفي هذه الفترة ظهرت في الهند الديانة البوذية والديانة الجينية (وسنذكرها فيما بعد) .
عصر أوبانيشاد :
يعتبر “أوبانيشاد” من أهم المساهمات التي قدمها قدماء الهنود إلى عالم الفكر والفلسفة ، وترجمت أجزاء هذه الكتب القديمة السنسكرتية إلى عدد من لغات العالم فتركت أثرها الفلسفي في أفكار وآراء المفكرين الكبار في الهند وخارجها ، ويدعو “أوبانيشاد” بصفة عامة ، إلى الإيمان بوجود موجد ومنظم لهذا الكون ، فيسميه – باللغة السنسكرتية – “برهمان” ، وكذلك يقرر خلود الروح وصفاءها في حالة الافتراق عن كثافة المادة ، وأن هذا الروح مرتبطة ارتباطا وثيقا “ببرهمان” الخالد ، وبتطهير الروح من أدران المادة ، ومن آثار الشرور والذنوب يستطيع الإنسان أن يتصل بالروح الأعظم ويتحد معه .
عصر سوترا :
وفي أواخر العصر “الفيدي” نشأ أدب جديد في تاريخ الآداب الهندية الكلاسيكية ، إذ قام بعض شارحي “الفيدا” بتلخيص نصوصها ومعانيها في كتب مختصرة معروفة باسم “سوترا” ، ومن هنا عرف عصر تأليفها منسوبا إليها نظرا لأهمية هذا العصر في تاريخ الأدب الهندي الهندي القديم ، وتقسم مجموعة “سوترا” إلى أربعة أقسام 1 – جريهيا سوترا ، 2 – شروتا سوترا ، 3 – دهارما سوترا ، 4 – شلوا سوترا .
ويتناول جريهيا سوترا القواعد والرسومو الطقوس التي تتبع في المنازل والبيوت لتنظيم العلاقات بين أفراد الأسرة وترتيب الطقوس الدينية التي تقام في نطاق العائلات ، وأما شروتا سوترا فيصف المراسيم العامة والطقوس التي تقام في المناسبات القومية والتاريخية، بينما يبحث دهارما سوترا نظام الحياة الاجتماعية وينظم قواعدها وواجبات الأفراد والجماعات في هذا المجال ، وعرف هذا القسم فيما بعد باسم “دهارما شاسترا” أو “سمرتي” ، ويشمل شلوا سوترا القواعد والتصميمات الهندسية والمعمارية لبناء هياكل المعابد وأماكن الطقوس الدينية ، وتعتبر هذه القواعد هي الأساس الهندسي الذي كان متبعا لبناء المعابد الفيدية أو الهندوكية القديمة في الهند .
كيفية دراسة الفيدا :
نظرا لكون الفلسفة الفيدية هي الأساس للحضارة الهندية القديمة لكون العصر الفيدي هو الذي أرسى قواعد العلوم والآداب الهندية ، فلا بد لدارس لتاريخ الحضاري والأدبي للهند أن يلم بمناهج التعليم المتبعة في ذلك العصر ، وقام المنهج الدارسي حينذاك على ستة أسس ريئسية : 1 – شيكشا أي تعليم النطق الصحيح لمختلف أنواع الأوراد والتراتيل الدينية ، 2 – كالبا أي وصف الرسوم والطقوس التي تقام في مختلف المناسبات ، مع بيان معانيها وفوائدها ، 3 – فياكران أي قواعد النحو الصرف للغة السنسكرتية التي هي لغة جميع الفيدات وشروحها الأصلية ، 4 – نيروكتا أي علم الاشتقاق حيث يدرس الطالب مصادر الألفاظ العويصة الواردة في تلك الكتب ، لكي وغيرها ، 5 – تشانداس ، وهو عبارة عن الأوزان والبحور لأشعار الفيدا ، 6 – جيوديش وهو يشمل علوم والطب والهندسة وغيرها .
الأدب والتاريخ القديم :
وذكرنا أن الأدب الفيدي هو المصدر الرئيسي العام لتاريخ الهند القديم ، لأن كتب الفيدا التي يرجع عهد تأليفها إلى آلاف السنين تشمل معلومات قيمة عن حياة الشعوب الهندية في تلك العصور ومعتقداتها وقضاياها وعاداتها وتقاليدها ، وكذلك تعطينا فكرة شاملة عن النهضة الحضارية والتعليمية والفنية فيها .
ويبدو من هذا الأدب أن الشعب الآري ، الذي هو باني التاريخ الهندي القديم ، قد وجه عناية كبيرة لنشر التعليم بين الناس ، وكان التعليم الابتدائي عاما بين جميع الأسر بطريق “الكتاب” المعروف باسم “جوروكولا” وقد كان العلماء محل احترام بالغ لدى الأمراء والنبلاء والملوك ، كما كانوا مكرمين وموقرين بين جميع طوائف الأمة وهذا التعاون الوثيق بين العلماء والحكام ، وبين دور العلم ودور الحكم قد ساعد على تدعيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة ، وتستطيع أن نستشف هذه الحقائق التاريخية من خلال التراث الفلسفي والعلمي والأدبي الذي تركته تلك الفترة ، والذي ترجم ونقل إلى لغات كثيرة عند أمم أخرى ، وكذلك من المعالم الأثرية الجبارة ، التي تدل على النهضة الاقتصادية والسياسية والفنية السائدة في البلاد الهندية في تلك الأٍيام ، والتي تقفف إلى اليوم شامخة في شتى أنحاء البلاد ، وهي تحمل كل معانيها وفحواها التاريخية .
(يتبع ..)