الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 8-ديسمبر -1986 م
لقد اختلف الحكماء منذ القدم في دور الفؤاد واللسان في تحديد مصير الإنسان فقال البعض إذا الفؤاد هو المدار الرئيسي الذي يقوم عليه مصير الإنسان ، فوزا ومنشلا ، وسعادة وتعاسة وتقدما وتخلفا ، ونجاحا وخسرانا ، في حياته الدنيا والأخرى ، بينما قال البعض إن اللسان هو المدار قبل الفؤاد ولكل من هؤلاء وهؤلاء أدلة وشواهد من قانون الطبيعة وواقع الحياة .
وإذن كان الفؤاد أي القلب هو ملك الجوارح كلها ومحركها ومبعث نوازعها ومصدر أعمالها فإذا صلح القلب صلح سائر أجزاء الجسم وإذا فسد فسد بقية أجزائه كما أشارت إلى هذا الوضع الفطري جوامع كلم الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ،ألا وهو القلب” فيكون القلب هو مصدر النجاح والفشل أو السعادة والشقاء في الحياة بمعنى أن الجوارح كلها تفعل وتنفعل بوازع من القلب الذي هو بمثابة المحرك الأصلي لسائر أعضاء الجسم وتنقاد لإيماءاته ونزواته .
يقول الفريق الآخر إن اللسان هو الذي يؤدي الإنسان إلى النجاة أو إلى التهلكة لأن الفؤاد مهما كان دوره في الإيماء والإيعاز لسائر الأعضاء في الجسم لتتحرك بمقتضى نزواته ونزعاته ورغباته وشهواته فإن اللسان هو الناطق الرسمي لما في الفؤاد والمظهر الأول لما يكنه ويضمره في مكامنه فلا يجني صاحبه نتاج ما فيه من أفكار وآراء وخطط ونيات ، سيئة أكانت أم حسنة إلا من خلال ما ينطقه اللسان معبرا عما في قلبه ومبينا ما في فؤاده ، ومن هنا قيل : “إن اللسان على الفؤاد دليل” ، وقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه سلم موضحا هذه الحقيقة المرة بجوامع كلمه أيضا : “وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ” (رواه الترمذي) .
وكفى لمعرفة دور اللسان في إسعاد حياة الإنسان أو إشقائها هذه الإرشادات الربانية والبيانات النبوية فيقول رب العالمين هاديا ومرشدا : “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” (ق : 18) . ويقول أيضا : “يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ” (النور : 24) . ثم قال : “يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم” (الفتح : 11) . وتبين من هذه الإرشادات الإلهية أن مسئولية اللسان ، هي مسؤولية المباشرة أمام شهادة الحق وفي ميزان العدل لأن في استطاعته تحوير ما في القلب وتزييفه وتحريفه ولهذا شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل اللسان ناطق الإنسان في شؤونه كلها وبه يدخل في الإسلام أو يخرج منه وبه أيضا يسعد في الحياة أو يشقى ، ويعز أو يذل فيها ويقول مشيرا إلى دعوة إبراهيم : “واجعل لي لسان صدق في الآخرين” (الشعراء : 84) . ووصف أعظم صفة لأكرم خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : “وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” (النجم : 4).
ولمزيد من الضوء والهدى على أهمية دور اللسان في حياة الإنسان في تعاليم الإسلام دعنا نقرأ ونفهم وندرك مغزى وفحوى بعض الإرشادات النبوية التالية : (1) قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إذا أصبح ابن آدن فإن الأعضاء كلها تكفر (تذل) اللسان ، تقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإذا استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا” (رواه الترمذي) . (2) وقال عليه السلام : “إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالا يهوي بها في جهنم” (رواه البخاري) . (3) وقال كذلك : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” (متفق عليه). (4) وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، أي المسلمين أفضل ؟ قال :”من سلم المسلمون من لسانه ويده” (متفق عليه). (5) وقال الصحابي الجليل سفيان بن عبد الله رضي الله عنه : يا رسول الله إما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه ، ثم قال : “هذا” (رواه الترمذي).
وينبغي لكل إنسان عاقل أن يحفظ لسانه من أن يبقى بنفسه في التهلكة أو يجلب له الشقاء أو يحرم عنه السعادة التي تستحقها بموجبات حياته الفطرية ، وعليه حفظ لسانه حتى عن الكلام المباح بدون ضرورة أو حاجة لأنه ربما يؤدي إلى مكروه أو حرام عند الثرثرة أو حب السيطرة على الموقف في مجلس أو ندوة وذلك ما نراه يوميا في عاداتنا وجلساتنا ولغونا وفضولنا ، ومن هنا نفهم حكمة وضع اللسان وراء الحاجزين الطبيعين : الشفتين والأسنان ، في أعماق فم الإنسان لئلا يطغى ويخرج من داخل القضبان إلا بقدر وحسبان .!
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“والذين هم عن اللغو معرضون” (المؤمنون : 2)
من الهدي النبوي
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”من يضمن لي مابين لحيين وما بين رجلين أضمن له الجنة” (متفق عليه) .
من الأدعية المأثورة
“عند رؤية المطر : “اللهم صيبا نافعا” (الصيب بتشديد الياء المثناه أي مطرا منهمرا) .