الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 15-أبريل-1986 م
إن مدار تقدم أمة وتأخرها ومعيار نهضة قوم وانحطاطهم ، هو مدى قوتهم الذاتية وشخصيتهم المتميزة وحيويتهم في مجالات الحياة وسلامتهم من أمراض المجتمعات المنحلة والشعوب المنحطة ، ومن هذا المنطلق نفهم فحوى دعوة القرآن أمة الإسلام لاتباع المنهج الإسلامي المتمثل في الكتاب والسنة لتكون أمة حية وناهضة وجديرة بالحياة النافعة ذات معنى ومغزى لعامة الناس وخاصتهم ، فيقول القرآن : “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ” (الأنفال : 24) .
وهذه الآية صريحة في أن دعوة الإسلام هي دعوة إلى حياة هادفة وناهضة ومتكاملة لجميع مقومات التقدم والنمو والرقي في شتى مجالات الحياة البشرية لأن نص الآية يدل على أن الإسلام يقدم للمجتمع الذي يختاره منهجا لحياته الوسائل والأسباب والأساليب اللازمة لجعل هذا المجتمع ، مجتمعا حيا وقويا وقويما ، وأن الاستجابة لدعوة الله ورسوله هي الوسيلة لأن يكون المسلمون أمة حية وأن الحيوية تعطي لهذه الأمة اللمناعة عن العلل والأمراض التي تضعف قواها الذاتية كما تعطي لها أسباب الصحة والطاقة والحياة النشطة في سائر المرافق المتعلقة بكيان أمة واعية كاملة وناهضة ، وأول ما يدعو هذا المنهج الإلهي الفطري هو إخراج أفراد المجتمع الإسلامي من ظلمات الجهل والعقائد الفاسدة إلى نور العلم والتوحيد الخالص وبهاتين الصفتين يكون المجتمع حرا ومستقلا ونزيها وبعيدا عن التقليد الأعمى والتبعية العمياء فيضع جميع خطواته على الطريق المستقيم ، وإلى هذه النقطة الجوهرية للمنهج الإسلامي يشير القرآن الكريم : “قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه إلى صراط مستقيم” (المائدة : 15) .
وجوب الخروج من التبعية والهوان
ومفهوم الآية القرآنية السابقة أن الخروج من ظلام التخبط والانحراف والتقليد هو الخطوة الأولى إلى بناء حياة هادفة مستقلة ذات قيمة ووزن في ميزان القوى العالمية فيجب على كل فرد أو مجتمع يتيمنى استرداد القوة الذاتية الضائعة أن يعرف وسائل العزة والكرامة والسيادة الداخلية في نفس الإنسان أولا ثم السيادة الخارجية بالتحرر من التقليد والتبعية ، ويقول القرآن محذرا عن اتخاذ طريق التبعية والتقليد لأن هذه الكيفية تشتت جهود المجتمع وتحدث البلبلة في أذهان الناس وتبدد الطاقات فيما لا طائل تحته من المتاهات والترهات فقال تعالى : “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون” (الأنعام : 153) .. وقد رسم الإسلام لأتباعه طريق النجاة والعزة والكرامة والقوة فقال تعالى موضحا هذا الرسم المنهجي الكامل الواضح :
“ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين” (النحل : 89) . ففي المنهج الإسلامي القائم على القرآن والسنة نبيان لكل شيئ ويحتاج إليه الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي وكذلك الدولة الإسلامية لتحقيق النهضة الشاملة مع العزة والكرامة والقوة الذاتية فقال القرآن : “ولله الغزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقيين لا يعلمون” (المنافقون : 8) . ثم قال :وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” (الأنفال : 60) .
وهكذا يحث القرآن أمة الإسلام على تحقيق القوة الذاتية بالتمسك بالمبادئ الإنسانية الكاملة من العقيدة الصحيحة الراسخة في الله تعالى وفي عزته ةقدرته وعظمته وجلاله ثم باتباع وسائل القوة والعزة كما رسمها لعباده المخلصين .
الانحراف عن المنهج الإسلامي يؤدي إلى التفرق والتشتت والضياع
وأن التفرق الذي حذر عنه القرآن المسلمين جميعا في قوله : “لا تتبعوا السبل فتفرق بكم” (الأنعام : 153) هو ذهاب كل جماعة وفريق في طريق خاص فيحصل الشتات والنزاع وبالتالي يحصل الضعف والانكماش وتبدد الطاقات وضياع الجهود وتناثر الثروات والقدرات في شتى الطرق والسبل فتدارك سبحانه وتعالى هذا الضياع فنبه مرة أخرى لكي ينقذ المجتمع الإسلامي المتمسك بكتابه وسنة رسوله ، بمحض فضله وكرمه فقال : “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” (الأنفال : 36) .
فإذا عاد المسلمون إلى المنهج الإسلامي في حياتهم وتخلوا عن الانبهار بالمناهج التي وضعت لتحريف المبادئ الإنسانية ولتضييع القوة الذاتية لأمة الإسلام تحت شعارات وإغراءات عديدة ، فحينئذ يكون لكيان الأمة الإسلامية وزن وقدر في هذه الحياة الدنيا على وجه الأرض كما سيكون لها مثوبة عند الله وكرامة في الدار الآخرة ، وأما الابتعاد عن المنهج الإسلامي مع بقاء دعوى الانتماء إليه فيضع هذه الأمة مهزوزه بل مرذولة في مهب الرياح ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، بدون أن تقوم لها قائمة بين الأمم ، وبدون أن تكون لها قاعدة واضحة المعالم في منظار التاريخ ، وكادت تذوب في طوفان فوضى الأمم كغثاء السيل ! ..