الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 31-أغسطس-1986 م
إن من مفارقات الأمور ومن التصرفات المعكوسة في ميزان العدل وفي قانون الطبيعة وفي نبراس الإسلام ، إن بعض المسلمين يتمسكون بآداب حسن المعاملة وأساليب صنيع المعروف في علاقاتهم مع الأبعاد والجماهير من الناس بحجة الاهتمام بالناس وإظهار المحبة نحوهم ولين الجانب والكلام الطيب معهم ولكنهم لا يهتمون باستخدام نفس الأساليب وحسن التصرف وخفض الجناح مع الأقربين إليهم من الآباء والأمهات والأزواج والأولاد وذوي الأرحام والخدم والجيران ويغفلون عنهم في ذلك ظنا بأنهم يتحملون التصرفات الغليظة منهم ويتساهلون معهم في شدة المعاملات وأن هذا الوضع قائم منطقيا وواقعيا ولكنه يتنافى مع تعاليم المنهج الإسلامي في حسن المعاملة ومبادئ في التعامل في القرآن والسنة إذ أن المنهج الإسلامي يعطي الأهمية القصوى والمرتبة الأولى في إسداء المعروف وحسن المعاملة وخفض الجناح ولين التصرف مع الأقربين وذوي القربى قبل غيرهم وقد وردت نصوص في القرآن والسنة تخصهم بخصوصيات إضافية وماسة قبل الآخرين وفيما يلي نماذج من تلك النصوص تذكيرا لإخواننا الذين يغفلون عنها أحيانا لحجة أو أخرى أو بغابة عارضة في العلاقات الإنسانية .
أسلوب المعلمة مع الوالدين
وقد بين القرآن والأحاديث النبوية الأساليب التي يجب مراعاتها في المعاملة مع الوالدين ، ومنها قوله تعالى : “وقضى ربك ألا تعبجوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تكن لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” (الإسراء) . ويقول القرآن الكريم مبينا فضل الوالدين على الأولاد من حيث التربية وتحمل المشقات والصعاب في سبيل رفاهيتهم ورخائهم : “ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك” (لقمان) .
ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال : “أمك” قال : ثم من ؟ قال : “أمك” قال : ثم من ؟ قال : “أمك” قال : ثم من ؟ قال : “أبوك” (متفق عليه) .
لزوم احترام الوالدين ولو كانا على شرك
ورى عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمت علي أمي وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ قال : “نعم ، صلي أمك” ( متفق عليه) . وقد اختلف علماء والحديث والتاريخ حول كونها أمها من نسب أو من الرضاعة ، مع أن الأرجح أنها من النسب ، وإذا كانت من الرضاعة فتكون المسألة في غاية الأهمية لأن الأم المشركة حتى لو كانت من الرضاعة وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصلة قرابتها وحسن معاملتها ورعايتها فما بال الأب والأم من الصلب والنسب وهما مسلمين ومؤمنين .
لقد أوصى الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالمعاملة مع المعروف والحسنى مع النساء فقال تعالى : “وعاشروهن بالمعروف” (النساء : 19) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : “ألا إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليههن في كسوتهن وطعامهن” (رواه الترمذي) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك :”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم” (الترمذي) .
وأما حق الزوج على المرأة فهو إطاعته في أوامره وحسن المعاشرة معه في كل الحالات والظروف فقال تعالى : “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله” (النساء : 34) . وأما الأحاديث النبوية في حث الزوجة على الإطاعة لزوجها فكثيرة وعديدة ومنها قوله عليه السلام : “إذ1ا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح” (متفق عليه) . ومنها حديث آخر قال : “لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ” (متفق عليه) .
حق الوالدين نحو العيال والشفقة بهم
قال الله سبحانه وتعالى : “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ” (الطلاق : 7) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله” (رواه مسلم) . وقال أيضا :” دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك” (رواه مسلم) . ويستحب لرب الأسرة وأبي الأولاد السلام ، من دخوله بيته فقال تعالى ” فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة ” (النور : 61) . وروي عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله” (متفق عليه) . وروي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا” (رواه أبو داود والترمذي) . وعن أنس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم ، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك” (الترمذي) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما ، فقال محيط الأخلاق الإسلامية في المعاملات مع الأقربين وذوي الأرحام ، الصغار منهم الكبار ، والمسلمين منهم والكفار ، بإفشاء السلام ، وإطعام الطعام ولين الكلام .