الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 21-ديسمبر-1985 م
إن قاعدة الإسلام الأساسية هو العدل والقسط والإحسان بالنسبة إلى كل الكائنات ،و إعطاء كل ذي حق حقه ، وفقا لميزان العدل الإلهي لأنه دين رب العالمين ، للعالمين جميعا ، فقال مخاطبا رسوله الذي أرسله لكافة البشر : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” .
وإن القتال أو الجهاد المسلح ، قد أجازه الإسلام ، في ظروف خاصة وبشروط عديدة، وبطرق معينة ، لصد العدوان ورد الحقوق المشروعة إلى أصحابها ، ولا يقف الإسلام ضد اختلاف الأفكار والآراء والعقائد ، ولكن يواجه العقائد والأفكار المضادة لمبادئه وتعاليمه الفطرية الإلهية ، بالتحاور والمناقشة والنصائح ، بدون قهر وظلم وإكراه .
المواجهة بالمثل وبالحسنى
وإذا اعتدى أحد وقاتل في سبيل صد المسلمين عن دينهم أو فرض عقائده وأفكاره عليهم بقوة السلاح فيفرض الإسلام عليهم مواجهة هذا العدوان وصد ذلك الظلم بنفس الأسلوب ، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أي لتحقيق حرية اختيار الدفع الذي يرتضاه لنفسه ، ويعتنق المبادئ التي تطمئن إليها نفسه بدون خوف ورهبة وإكراه ، وفي هذه الحالة أيضا يكون رد العدوان والدفاع الشرعي بالحسنى والبر والعدل المطلق ، ولن يضار أحد في ظل النظام الإسلامي سواء في ساحة القتال أو في حالة السلام ، ولا يبيح الإسلام لاتباعه حمل السلاح في وجه أي إنسا نأو جماعة ماداموا لم يعتدوا عليهم ولم يقاتلوا في دينهم ولم يخرجوا المؤمنين – ظلما وبهتانا وعدوانا – من أوطانهم وديارهم ، فيأتي حينئذ القانون الإلهي الطبيعي العادل : “فاعتدوا عليهم مثل ما اعتدوا عليكم ” .وإن اختار الخصوم سبيل التعايش السلمي والتحاور الودي ، دون الالتجاء إلى سبيل الظلم والعدوان ، من أجل تسوية الخلافات ، وحل القضايا المختلف عليها بينهم وبين المسلمين ، فينطبق حينئذاك النظام القرآني النبيل : “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها” .
لماذا حرية الدعوة ؟
إن من حق الإسلام والمسلمين أن تتحقق حرية الحركة لخير البشرية كافة ولخير العالم كله ، لأن الإسلام يقدم الخير والهداية للعالم أجمع ، والمسلمون يقدمون خير ما لديهم وهو الدين الإسلامي إلى الناس كلهم في جو من الحرية والطمأنينة والهدوء ولا يفرضون دينهم على أحد ، ولا يجبرون أحدا على اعتناقه ، ويرغبون في تقديم وجهات نظرهم في المشكلات المتباينة ، من منظور إسلامي وطبقا لهداية تعاليمه ، وبما أن دعوة الإسلام موجهة إلى كافة البشر في هذه الأرض فإن المسلمين مطالبون بمخاطبة المسلمين وغير المسلمين ، لكي يقدموا إليهم ما عندهم من الخير والهداية . وذلك لأداء واجبهم الديني من إبلاغ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولإثبات إحساسهم بأنهم جزء من عالم البشر الذين يعيشون في هذا الكوكب الأرضي ، ويشاركونهم في السراء والضراء . ومن حقهم الطبيعي المشروع حرية التحدث إلى الذين يشاركونهم في هذه الحياة على هذه الأرض ، وتقديم وجهات نظرهم حول الحياة ونظامهم النافع حسب فهمهم وإيمانهم ، وخاصة أن كل ما عندهم واضح وجلي ، ولخير العالم كله ، وأنه يحقق للبشر كثيرا من المنافع حتى للذين يعيشون تحت ظل النظام الإسلامي ، بدون أن يعتنقوا الإسلام دينا ، لأن قاعدته القسط والبر والعدل بالنسبة للبشر كافة . ويتجلى من هذا الاستعراض الموجز أن حرية الدين والدعوة إليه من أسمى الحقوق الإنسانية في منظور الحق والعدل ، فكل اعتداء على هذه الحقوق أو محاولة لهضمها ، يعتبر عدوانا صارخا وظلما بينا على أهم الحقوق الإنسانية فتجب مقاومته ومواجهته بكل الوسائل والأساليب ، حتى يتحقق ذلك الحق ، وتثبت تلك الحرية كاملة غير منقوصة .
دعوة على مستوى العلم
إن رسالة الإسلام دعوة على مستوى العالم لا على المستوى المحلي ، وأنها تقدم الحلول والأحكام للمشكلات العالمية المتباينة وفيها الخير للمسلمين الذين يتخذونه نظاما لحياتهم كلها ، ولغير المسلمين الذين يستفيدون من مختلف المسائل لذلك النظام حتى وهم على دينهم الخاص . ومن هنا لا يجوز لعاقل غير مكابر ولا معاند أن يتفوه أو يتشدق بالتدخل في عالمية الدعوة الإسلامية وجدارتها على المستوى العالمي أو يتساءل عن مسؤوليتها تجاه هداية ملايين البشر الذين يعيشون في هذا العالم ويشتركون مع المسلمين في الحقوق الإنسانية العامة وفي الهموم العالمية كلها ، فيجب أن يكون خطاب الدعوة الإسلامية موجها إلى العالم ، وتكون القضايا التي تتناولها موجهة إلى الناس جميعا ، ولا ينبغي أن تخصص لها أرض من الأراضي دون أخرى ، أو دولة أو قارة دون أخرى . وكما تتناول قضايا خاصة محلية في ظروف محلية معينة ، تتناول قضايا عامة عالمية تهم البشرية كلها ، فعلى الدعاة المسلمين أن يدركوا مشؤولياتهم العامة الهامة ، في ساحة العالم اليوم .