الخليج اليوم – قضايا انسانية – 22/9/1985
إن للإنسانية تطورات ومراحل كما للإنسان تطورات ومراحل ، من طفولة وكهولة وشيخوخة ، فيكون الدين الذي يجيء به نبي من الأنبياء في دور من الأدوار الإنسانية صالحا لذلك الدور الذي وصلت إليه الإنسانية في ذلك الوقت ، ومحققا لمطالبها وأهدافه في ذلك الدور ، لأن الدين في نظر الإسلام نظام الحياة البشرية في جميع المرافق الحياة مع أن مهمة كل دين ، أولا وبالذات ، تصفية الأديان السابقة مما علق بها من خرافات وخزعلات بأيدي المغرضين أو الجهال أو المخرفين ، ولبعد الناس عن تعاليمها الحقة ، إما لفقدان المصلحين المرشدين أو لقلتهم ، أو للعناد والجماح من البعض الذين يتبعون الشهوات والأهواء .
خاتمة الأديان السماوية ..
ويتضح من البيان السابق أن الأديان السماوية كلها حلقات متكاملة متراصة متكلفة في سلسلة الأديان ، فالدين الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو آخر حلقة من حلقات الأديان في الإنسانية ، بدليل أنه لا يخفي على من تصفح صفحات الكون ، ونقب في أرجاء الأرض ، أن ابكون كتاب الله المختوم ، كما أن القرآن كتاب الله المرقوم .
وأن الأديان السماوية في مختلف عصورها كانت مهمتها – بعد التصفية المذكورة – تكميل الإنسانية بمبادئ تحفظ جميع مصالحها وتحقق أهدافها وتدفعها عن سائر الأخلاق السيئة ، وتحثها على جميع الأخلاق الفاضلة ، كل هذا بقدر ما تطيق الإنسانية في ذلك الدور الإنساني ، وفي تلك البيئة حتى وصلت الإنسانية إلى قمتها في الرقي العقلي والوعي الإنساني ، فيكون الدين الذي يبعث به رسول الله في ذلك الدور – دينا وصل إلى قمة الأديان في صلاحيتها وموافقتها لجميع التطورات الإنسانية وأدوارها وبيئتها وأقطارها ، يكون فيه حل لمشاكل العالم ، لأن الله سبحانه وتعالى قد بعث النبيين والشرائع جميعا برسالة واحدة في جوهرها وأصولها وغاياتها فيقيم منم اللاحق دينه ورسالته على بناء من سبق ، فيصدق اللاحق منهم للسابق ويمهد للاحقه – هذا خاص بغير آخر الأنبياء من سلسلتهم – كما بين القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله : “وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتاكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن ببه ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ، قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون . أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض ” ..
دين الإنسانية كلها ..
أما مسألة وصول الإنسانية إلى قمتها في زمن بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من الرقي العقلي والروحي ، وإلى ذروة شبابها من الفتوة والقوة ، وإلى منتهى استعدادها لتحمل رسالة منظمة كاملة شاملة صالحة لكل أزمنة وأمكنة ، فيظهر ويتبين لكل من له إلمام في حالة التطور الإنساني في بقاع الأرض كلها ، وعن مدى رقي الإنسانية في القرن السابع الميلادي ، ويضاف إلى ذلك أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تجمع البشر كله وتقود الإنسانية كلها بدستور صالح لكل البيئات والتطورات وفي جميع مرافق الحياة ، ومتكفل بمصالح الإنسانية في المعاش والمعاد ، ثم تكفل بحفظه للناس كافة خالق البشر والقوى سبحانه وتعالى ، إلى يوم القيامة ، بقوله في القرآن : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” .
ولم يتكفل بهذه الكفالة لأية حلقة من حلقات الأديان قبل دين محمد عليه السلام ، فإذا كان هذا شأنه فهو حري بأن يكون خالدا عاما ، وآخر حلقات من سلسلة الأديان ، وأن يكون رسوله آخر نبي من سلسلة الأنبياء عليهم السلام .
وكل هذا غيرر خاف على كل عقل متدبر ، وقلب واع ، وفهم سليم ، بعيدا عن التأثر بالشبهات التي تثيرها الجهات المغرضة ، والأضاليل الفكرية التي تنشرها العناصر المتعصبة التي أعمتها المآدب الشخصية عن رؤية الحقائق الواضحة أو صرفتها عن الاعتراف بها وأتباع الحق المبين .