الخليج اليوم – قضايا انسانية – 28-9-1985 م
إذا ألقينا نظرة عامة على صفحات تواريخ الأمم الماضية وطفنا تطوفا سريعا حول تواريخ البلاد التي فشت فيها الأحقاد والفتن ، واشتعلت فيها نار الحروب والمحن ، نجد أن الثغرة الوحيدة التي تسربت منها هذه المهلكات لمقومات الإنسانية من الفوارق الطبقية والاختلافات العرقية .
وكان الأمة الرومانية – مثلا – منقسمة إلى طبقات عليا وسفلى ، وحاكمة ومحكومة ، وكانت الأمة الهندية – بل ولا تزال على الرغم من وجود قانون رداع منقسمة إلى طبقات متفاوتة في الدرجات مثل الطبقة البرهمية والطبقة المنبوذية فلا يجوز التزاوج بينهما ولا الاختلاط ، ومما يثير الدهشة والعجب أن نرى هذه التفرقة غير المشروعة ، وهذه العقلية الرجعية منتشرة ومتغلغلة في قلوب المتزعمين للحرية والعدالة والديمقراطية المزومة ، سيما في هذا القرن الحضاري – كما يزعمون – إذ نسمع بآذاننا ونقرأ بأعيننا صباحا ومساء الأنباء التي ترد من عواصم البلاد المتحضرة والمتزعمة للديمقراطية والعلمانية والحرية وغيرها من المباني الخلابة ، عن اضطهاد الزنوج باسم اللون – السواد – الذي ليس للسلطة البشرية دخل فيه ، عن اضطهاد الملونين في أفريقيا بنفس السبب ، وتحريم المعاشرة والمعاملة والمعايشة والمخاطبة بين إنسان أسود وبين أخيه الإنسان الأبيض – مع أن يتوافر في كليهما كل المقومات الإنسانية وميزاتها .
عقلية غير إنسانية
أما الإسلام فقد تقدم بادئ ذي بدء هذه العقلية غير الإنسانية وهذه النظرية الرذيلة الهدامة لمقومات العالم الحر والأمن الدولي من أساسها ووصفها بالجاهلية الخرقاء والهمجية الجوفاء ، وأعلى : “وكلكم من آدم وآدم من تراب” وأيضا : “الناس سواسية كأسنان المشط ” .
وبهذا المبدأ النبيل يسعى الإسلام لعلاج الأحقاد والأضغان ولتجنب الحروب والكروب في العالم الإنساني ، ويعلن أن السلام في العالم والأمن بين الدول لا يستتب إلا بتنفيذ هذا المبدأ القيم الفطري بين الجنس البشري .
دائرة العبودية لله تعالى
ويقرر الإسلام بجميع قواه أن كل إنسان لا يتجاوز دائرة العبودية لله تعالى مهما بلغ إلى حد الكمال الإنساني ومهما أوتي من علم وقوة ومال وجاه فلا يتغلغل إلى دائرة الألوهية ، والخالق هو الله الواحد القهار ، والمخلوقات بجميع أنواعها عبيد له وعلى هذه العقلية الفطرية والنظرية الطبيعية ، أسس الإسلام قواعده وأقام دولته ونشر دعوته .
وبفضل هذه المبادئ جعل الإسلام من الأمم المتخالفة والشعوب المتخاذلة في أتفه الأمور ، المنقسمة إلى طبقات وقبائل متفرقة إلى شيع وأحزاب ، أمة متحدة مثقفة مستنيرة متعاونة ولا تعرف المشاجرة الطاحنة ولا التحاسد ولا التباغض .
وقد آن الأوان لرجوع العالم الإسلامي أولا والعالم الإنساني كله ثانيا إلى هذا المبدأ النبيل والهدف المنشود ، لكي يتخلص العالم الحائر اليوم من ويلات المحن والفتن والحروب الطبقية والطائفية ، فيسود الأمن والاستقرار في بقاع الأرض وتعم السعادة والرفاهية الجنس البشري ,
الأمة القدرة
ويستعاد إلى الأذهان في هذه الآونى – في كل آونة – أن الأمة الإسلامية أمام مسئولية كبرى وهامة في هذا الأمر ، لأنها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وكما أنها أمة خير الأنبياء والرسل في هداية البشر إلى أقوم السبل ، وهو الذي أعلى غرض بعثته بنص قوله : “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فهل هناك خلق كريم أنبل من احترام إنسانية أخية الإنسان وأفضل من إكرام بني أبيه الأشقاء !! وأوجب من إزالة العار والامتهان عن جبين أخية بسبب لونه وجنسه حيث لا حول ولا قوة في هذا الشأن .