الخليج اليوم – قضايا انسانية – 29-9-1985
إن القرآن الكريم قد قرر أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، فإن من الحقيقة البيضاء أن الإسلام دين الحياتين الأولى والآخرة وأنه كفل للإنسانية دعائم العزة كلها .. ومن أهم دعائم العزة : العلم والقوة والثراء . وأساس دعوة الإسلام العلم والبحث والنظر في ملكوت السماوات والأرض . ومن أول ما دعا إليه : السعي والعمل والجهاد في الحياة ، أول ما نهى عنه : القعود والتواكل والخمول .
ولا يعترف الإسلام بل وينكر بكل قوة وصراحة الجمود والتكاسل والفقر والرضا بالذلة والهوان . وكل ما يتهم الإسلام بأنه عقبة في سبيل العلم أو الرقي أو القوة والعزة فهو لا يعرف حقيقة الإسلام ولا تاريخ المسلمين القدامى حقا . ومثل الذين يتهمونه بأنه لا يساير التطورات العالمية والمصالح الإنسانية ، ولا يطلق الجريات للعقول الأيدي ، كمثل من يقدح في عدالة القانون بسوء فهم القاضي له أو يحوره في تطبيقه ، وكالقدح في جودة البذر بأن الزراع يهمله أو يحسن زرعه ، فأما السبب الوحيد لكل هذه الاتهامات ، وهذا الفهم الخاطئ للإسلام ، فإن المتهمين أو الناقدين لم يعرفوا حقيقته ، وتأثروا بما عليه المسلمون ، فهم رأوا في أكثر المسلمين جمودا وجهلا وضعفا وفقرا ، فحسبوا أن منشأ هذا كله إسلامهم ، مع أن الإسلام بريئ من كل هذا وذاك .
أسباب التأخر والجمود..
إن منشأ الحقيقي لما نرى اليوم في أكثر المسلمين من آثار التخلف والضعف والجمود والجهل ، هو جهلهم بالإسلام أو خروجهم عن حدوده ، لأننا نجد براهين ساطعة من نصوص الإسلام ومن مبادئه أحكامه ، ومن تاريخه ووقائعه ، على أنه حفز إلى العلم ، والنظر والبحث ، وحث العقول على التفكيرر والتدبير والاختراع والاكتشافات ، ومن يمعن النظر في آيات القرآن والأحاديث النبوية ، يؤمن حق الإيمان بأن الذين يتهمون الإسلام بجمود المسلمين ليسوا على شيئ من الحق ، وبأن الإسلام بريئ من هذا الوضع كل البراء .
إن النظريات الحديثة في الخلق وبدء الحياة والفلك والأجرام ، قد قررت الإشارات التي وردت في آيات كثيرة في القرآن حول سنن كونية ونظريات طبيعية واعترفت تلقائيا بأن مبادئ وأصول هذه النظريات قد سبقت الإشارة إليها في القرآن قبل حوالي خمسة عشر قرنا ، وهذا دليل ساطع كالشمس على أن الإسلام لا ينافي العلم والمدنية ولا يناقضهما ، بل هو في الحقيقة والواقع مصدر إلهام وإلعاز للأخذ بجميع وسائل وسائل التقدم الحضاري الإنساني ، والقوة والعزة والكرامة في جميع مرافق الحياة البشرية .
روح النصوص القرآنية ..
مما يؤخذ أيضا على متهمي الإسلام وناقديه ، وعلى بعض المنتمين إليه ، وقوفهم عند الألفاظ والحروف لبعض النصوص وإهمالهم روح النصوص ومعقولها والغاية المنشودة منها ، والأسباب الغائية التي جاءت لأجلها تلك النصوص والأوامر .
وكذلك لا يخفى على من يتبصر في تعاليمه ، ويمعن النظر في أن كثيرا من المشتغلين بالطب الحديث قد قدروا ما جاء به الإسلام من تحريم بعض الأشياء كالميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها ، وقد اعترفوا بالنظريات الإسلامية الدقيقة في مثل هذه الأمور التي تتفق تماما مع النظريات الحديثة الدقيقة – لا يخفى عليه – أن الإسلام هو الإصلاح الأكبر والعون المبين لمصالح الإنسانية كلها في الحياتين الدنيا والآخرة ، وهو كفيل بكل سياسة عادلة ويتقبل جميع مصالح البشر ولا يضيق بحاجة من حاجتهم ، ويفتح باب الشرف والكرامة والعزة والتققدم للأنفس كلها ، والتاريخ على ذلك شهيد .