الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 24-يونيو-1986 م
إن دعوة القرآن قد وجهت أولا وقبل كل شيئ وكل اعتبار إلى الفطرة السليمة للإنسان ، فهو لم يدع الإنسان إلى الالتزام بشيئ ليس في استطاعة العقل البشري أن يدركه ، وقد وصف الخالق الباري تعالى الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وليس كمثله شيئ وهو السميع البصير وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ، وقد وصفه بما يطابق مقتضى الفطرة والعقل ، ومن الآيات الواردة في ذلك قوله تعالى : “أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ، أإله مع الله بل هم قوم يعدلون” ، وقوله أيضا : “أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ، أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون” ، وقوله كذلك : “قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أو آتيناهم كتابا فهم على بينه منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا” ، وجاءت هذه الدعوة مطابقة للفطرة الإنسانية السليمة ، ولم يزد القرآن في الاستدلال في إثبات الخلق وصفاته شيئا سوى أنه أيقظ العقول ونبهها إلى النظر في أثار الله تعالى في الكون وآياته في مخلوقاته .
دعوة الإسلام تحطم القيود على العقل
وفي الواقع أن الإسلام هو الدين الذي حطم فكرة الإيمان بغير المعقولات وأقام على أنقاضها الإيمان اليقين المتحصل عن طريق العقل والفكر والنظر ، والقائم عند حدود المسلمات العقلية ومقتضيات الفطرة الإنسانية كما صرح به القرآن الكريم بكل جلاء ووضوح : “فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” ، وكان جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، في كل زمان ومكان ، يدعون الناس إلى النظر في الظواهر الكونية والقوانين الطبيعية المألوف للاستدلال بها على صدق دعوتهم التي بعثهم الله تعالى بها وكانوا يخاطبون العقل والضمير ويتبين هذا الأمر من هذه الآيات الكريمة الحكيمة :
1 – “قال يا قوم أرأيتم إن كنتم على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم ألزمكموها وأنتم لها كارهون” .
2 – “وقد بينا الآيات لقوم يعقلون ، إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا” .
3 – “لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل” .
وأن هذه الآيات تساعد على إدراك الميزة الكبرى للدعوة الإسلامية حيث أنها تخاطب العقل ، وكل ما تدعو إليه من العقائد والعبادات والأحكام والأعمال ليس منها ما يخالف العقل السليم ، وتأباه النفوس الصحيحة .
ومن ناحية أخرى قد حدد الإسلام وسائل الدعوة إليه بالبرهان العقلي والإقناع السليم ، ومنع أي نوع من الإكراه أو الإجبار أو التشديد فصرح القرآن : “لا إكراه في الدين” ، وقال أيضا : “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” ، وأن هذه الوسائل الثلاث أي الحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة لا تخرج بشيئ عن دائرة الإقناع العقلي وإرضاء الضمير .
لفظ الإسلام يدل على الإذعان العقلي
إن لفظ الإسلام الذي هو الاسم الذي اختاره رب العالمين لهذا الدين إذ قال : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” ، إنما يدل على معنى الانقياد التام لله تعالى والإذعان به دون قيد أو شرط ، وهذا التسليم المطلق لخالق الكون والكائنات يجعل المسلم المطيع كائنا مسالما ، ومصدر خير ورحمة للعالمين جميعا كما صرح الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ، يجب أن تكون فيه أسوة حسنة لكل المؤمنين به وبرسالته .
وأما إطلاق أسماء أخرى غريبة على هذا الدين غير لفظ “الإسلام” الذي نص عليه القرآن وأعلنه الرسول عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح جميعا مثل : “الدين المحمدي” أو ” المحمدية” أو الإطلاق على المسلمين لفظ “المحمديين” وعلى “الشريعة الإسلامية” كلمة “الشريعة المحمدية” فكل هذا وذاك من أضاليل أعداء الإسلام من الصهاينة والمستشرقين وغيرهم بقصد الانتقاص من ميزة الإسلام ، ووضعه في مصاف الديانات الأخرى التي لعبت فيها العقول البشرية .