الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م
من المعلوم بالضرورة في نظام الإسلام أن يحترم الحريات كلها : فكرا ورأيا وتعبيرا وكتابة وخطابة في جميع مرافق الحياة البشرية حسب القوانين الفطرية ، وقد شجع الإسلام كذلك وسداد الرأي في مجالات العقيدة والعمل والسلوك مع الناس بدون خلل في نظام الأسرة أو المجتمع او الجنس البشري بصفة عامة ، وأن الإٍسلام قد ترك للإنسان العاقل حرية العقيدة والكلمة وأعطاه الحق في التعبير عن معتقداته وآرائه وأفكاره بطريقة بناءه موضوعية هادفة مادامت لا تحدث اضطرابا أو فتنة أو فوضى بين الناس وأعلن ذلك الحق في كتابه ومنهاجه الأصيل القرآن الكريم إذ قال بكل وضوح وجلاء ، “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” (البقرة : 256) . ويقول كذلك :”أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس : 99) .
وحينما منح الإسلام حق الحرية للإنسان في التفكير والتعبير والعمل قد حدد وأوضح مفاهيمها ومعالمها وبين أهدافها وحدودها طبققا للنواميس الطبيعية ووفقا لقوانين الفطرة الإنسانية التي فيها صلاحها وبها فلاحها ومنها نظام حياتها الناجحة ، وأما الحرية التي يعنيها الإسلام فهي حرية ملتزمة بقانون الفطرة السليمة وبحدود المسؤولية الكاملة تجاه الآخرين وبالآداب العامة والأخلاق الفاضلة التي يقتضيها الذوق السليم للإنسان العاقل والمستقيم وقد منع الإسلام منعا باتا الحرية المسترسلة والمستهترة والمضرة بمصالح نفسه في منظور الفطرة الإنسانية القويمة وبمصالح المجتمع الذي يعيش فيه الوطن الذي ينتمي إليه والمجتمع الإنساني بصفة عامة ولا حرج عليه في مفهوم الإسلام أن يبدي رأيه ويواصل عمله ويتبع نظام حياة يروق له بحرية كاملة إذا كانت تلك الحري لا تسيء إلى القيم الإنسانية العامة لا تثير الفتن والفوضى والتشويش في حياة المجتمع الإنساني وخاصة مجتمع الالتزام والاتزان ، وبعبارة أصح وأوضح فإن الإسلام يمنع حرية الأضرار بمصلحة الآخرين والاستهتار بقيمهم وأخلاقهم وأمنهم وطمأنينتهم في بيوتهم وفي بيئتهم ووطنهم وتنقلاتهم ومعاملاتهم كلها .
وأن الإنسان الذي يسيء استخدام حق الحرية ويتخذها وسيلة لأحداث الفوضى واغتصاب حقوق الآخرين ونشر الرذائل وتسميم أفكار الناس وعقولهم بالمظاهر أو المناظر الفاسدة والمفسدة والحركات المائعة والمنحلة وخاصة في المجتمعات المحافظة الملتزمة إنما هو أشبه بالحيوانات وأضل عن سبيل الكرامة الإنسانية وأجهل في فهم معنى الحرية وفحوى الإرادة الشخصية .
والإسلام يؤكد دائما حرية الرأي والفكر ويدفع الإنسان إلى البحث العلمي والإنتاج العقلي والتنوير الذهبي بالتفكير السليم بدون تقليد أعمى وتبعية جامدة ويحثه على أن يكون تعبيره وعمله وفكره ناشئا عن سيادته الذاتية وشخصيته المستقلة ، وإرادته الحرة ، ومنع الرهبانية والقداسة الشخصية والعقيدة الكهنوتية بكل أشمالها وصورها وحيلها ، وأن الإسلام يعارض بكل قوة وحجة واضحة الحرية الفوضوية والمخلة بالنظام والمستخفة بالآداب والمستهترة بالقيم .