الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 10-مارس-1986 م
لقد قال سبحانه وتعالى مبينا لعباده أثر الإيمان بالله الذي خلقهم وصورهم ورزقهم وقدر لهم كل شيئ تقديرا دقيقا لا يغرب عنه مثقال ذرة : ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب” ، وأن اطمئنان القلب وسكينة النفس أساس الصحة النفسية من جميع الأمراض الناتجة من القلق والجزع والخوف وكما أن طمأنينة القلب لها أثر فعال في الصحة البدنية لأن السكينة في داخل الإنسان تجلب له أساس الراحة القلبية وتبعد أسباب الارق والانزعاج وسرعة ذبذبات القلب وعسر الهضم ، ومن هنا نعرف سر قوله عز وجل : “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئ قدرا ” .
علاج الجزع والفزع
إن الجزع عن الشدائد والمصائب والفزع من المخاطر والملمات من طبيعة البشر ، ولكن خالق هذه الطبيعة قد جعل لها مخرجا منه وعلاجا ناجحا له ، وإلى هذه الطبيعة يشير القرآن إذ قال : “إن الإنسان خلق هلوعا وإذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا ، إلا المصلون الذين هم على صلاتهم دائمون ، والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ، والذين يصدقون بيوم الدين ” (المعارج : 26) .
وإن أسباب الأمراض النفسية والعقلية المنتشرة بين الناس في هذا الزمان بصفة خاصة ، ترجع أولا وقبل كل شيئ إلى المخاوف التي تهدد الإنسان في نفسه وماله وعرضه ودينه أيضا ، وأن الإيمان الخاص بقدرة الله تعالى ومشيئته ويطهر القلب من أدوات الجزع والفزع عند مواجهة بعض الأحداث غير متوقعة ، لأنه لا يعرف جيدا أن ما وقع وما سيقع بقدر الله تعالى ومشيئته لأنه “قد جعل الله لكل شيئ قدرا” . وأن فزعه لا يقدم شيئا ولا يؤخر وما عليه إلا الاطمئنان ومواجهة ما حدث على صورة غير متوقعة بإيمان وصبر وتدبير في حدود طاقاته وفي نطاق قانون الأسباب والمسببات الظاهرية مع الاعتقاد الراسخ بأن مشيئة الله عز وجل فوق قانون الأسباب البشرية وهو قادر على رفع كل الكلمات والمصائب بحيث لا يشعر الإنسان .
وقد ذكرت الآية في مقدمة وسائل علاج هذه الحالة الناشئة عن طبيعة الإنسان العادية الصلاة لأن الصلاة تربط قلب صاحبها بخالقه ورازقه ومدبر شؤونه كلها فتدخل الطمأنينة إلى قلبه ولا يجتمع الاطمئنان والفزع في قلب واحد وأن الصلاة أهم وأقرب وسائل تذكير الإنسان وتوثيق الصلة به تعالى وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم إذ قال “أقم الصلاة لذكري” ، فإذا كانت الصلاة تبعث ذكر الله في قلب صاحبه وذكر الله تعالى منبع الطمأنينة في قلبه فتكون إقامة الصلوات بخشوع ومواظبة من أهم المصادر لترسيخ قوة الإيمان بالله في قلب الإنسان وإن هذا الإيمان هو الذي يزيل الهم والغم من قلبه ، وهذه هي الصحة النفسية .
وأما الشق الثاني من الآية المذكورة فهو ما يتعلق بأداء حقوق الآخرين في أمواله وثرواته حيث تذكر : “والذين في أموالهم حق معلوم” ، وإذا أدى الإنسان حق الآخرين في أمواله طبقا لقانون الفطرة ووفقا لشريعة الله تعالى التي وضعها وبينها لصالح البشرية وأمنها وسعادتها واستقرارها فيكون آمنا في ماله وممتلكاته وبعيدا عن الأحقاد والضغائن والأطماع فيعيش مطمئن النفس وينام مستريح البال ويغدو ويروح في أمن وأمان وضمان في داره وثرواته وعرضه ونفسه لأن هضم حقوق الآخرين واتباع أخلاق الشح والبخل ، والجشع والطمع في أمور الدنيا وأغراضها بدون حق وحاجة بل لإشباع أطماعه وإفساد النظام وإفشاء الفوضى في المجتمع هو السبب الحقيقي والواقعي لجميع أمراض النفسية والخلقية والاجتماعية والمتفشية في عصرنا الحاضر ، من عنف وخطف وغضب وسرقة وما ترتب على ذلك من خوف على النفس والمال والعرض .
وأن الإيمان بالله وذكراه في القلب من دواعي شفاء النفس من أمراض الشح والجشع ، ونظافة النفس ونزاهة الذمة وطمأنينة القلب تعالج الأمراض الاجتماعية وتقضي على الحروب النفسية وتذهب عن القلوب الفزع والقلق .
الشعور بالرضى يجعل القلب مطمئنا
إن الإيمان بالتوحيد الخاص يحقق سكينة النفس لأن هذا الإيمان يجعل صاحبه مستعدا لمواجهة الموقف بنفس مطمئنة بثقته بالله وقضائه وقدره ومشيئته وأنه هو الذي يجعل مخرجا من الشدة ومفرجا من الضيق ، لعبادة المؤمنين المتقين كما نصت عليه الآية القرآنية الإلهية ، ويعرف أيضا أن الانزعاج والخوف والسخط لن يغير الموقف ولا يجدي شيئا بل إنما يزيد الموقف تعقيدا أو ضيقا ، ويسبب للإنسان الذي يواجه قلقا وخوفا وحزنا بحيث يصير عرضه للأمراض النفسية والعقلية والانهيار العصبي والضعف البدني وهذا هو ما نراه في كل زمان ومكان ، ومن هنا نعرف حق المعرفة دور الإيمان الخالص في تبديد الحزن وتحقيق الأمن في قلب العبد المؤمن ! .