في رحاب رمضان المبارك
نظرات في مسائل :
الاكتحال ومضغ اللبان والحقنة أثناء الصيام في شهر رمضان !
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 22-مايو-1986 م
الاكتحال في العين :
أما الكحل والاكتحال فقد اختلف العلماء في حكم اكتحال الصائم ، ويرى علماء الشافعية والحنفية أن اكتحال الصائم في العين لا يفطر وإن وجد طعمه في حلقه ، ومثله ما يقطر في العين ، ومسحها بدليل الحديث المذكور عن عائشة رضي الله عنها ، وقال كبار علماء الفقه مثل عطاء والحسن والنخعي والأوزاعي ، إن العين ليست بمنفذ إلى الجوف ، وقال الإمام أحمد رضي الله عنه إن الاكتحال للصائم مكروه وإن وجد طعمه في حلقه أفطر ، بينما قال الإمام مالك : إن تحقق وصوله إلى الحلق فعليه القضاء وإن شك فيه فهو مكروه ، وذلك أن مذهب مالك يعتبر كل ما وصل إلى الحلق من العين أو الأنف أو مسام الشعر مفطرا للصوم ، إلا إذا فعل ذلك ليلا ثم وصل أثره إلى الحلق نهارا فإنه لا يفطر ، ولكن الرأي المعتبر عند جمهرة العلماء هو إباحة الاكتحال في ا لصوم لما روى ذلك عن الصحابة مثل أنس بن مالك ، وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم .
ولو وضع دواء ، أو دهنا في أنفه أو أذنه ليلا فوصل إلى الحلق نهارا فإنه لا يفطر عند الجمهور من علماء الفقه .
حكم مضغ اللبان أثناء الصيام
جاء حديث أخرجه البيهقي :”لا يمضغ العلك الصائم ” ، أما العلك بكسر العين وسكون اللام فهو اللاذن أي اللبان ، فهناك ثلاثة وجوه فقهية في مسألة مضغ العلك (اللبان) ، أولا – إذا تحلل شيء منه ودخل جوف الصائم فإنه يفطر بالإجماع فإن دخول أي شيء منه إلى الجوف هو نوع من تناول الطعام وذلك مفطر لا شك فيه ، وقد اختلف العلماء حول طريقة قضائه الصوم فقال بعض الفقهاء :
إن عليه القضاء فقط بينما رأى الآخرون أن عليه القضاء والكفارة ، وثانيا – إذا كان العلك خاليا من أي مادة تنزل إلى الجوف فإنه مكروه ويصح صومه ، وثالثا – إن في مضغ اللبان أثناء الصيام مثارا للشبهة ومجلبة للتهمة والظنون مع أنه لا يليق بمقام الصوم مثل هذه الحركات ، مع أن مضغ اللبان مع عادات النساء ، وهو ينافي المروءة عند الرجال ولو أنه أصبح شائعا بين الرجال أيضا في هذه الأيام الناعمة !
حكم ابتلاع الريق
إن ابتلاع الريق أثناء الصوم له أساليب وأحكام يجب الانتباه إليه ، فيباح للصائم بلع ريقه أولا بأول ، ولو جمعه في فمه ثم ابتلعه لا يفطر أيضا ، وأما لو أخرج ريقه إلى الخارج فعلى شفتيه مثلا ثم ابتلعه فيفطر لأنه ابتلعه من خارج فمه فصار شبيها بشيء دخل جوفه من الخارج ، ولو أخرج ريقه كثيرا على شيء مثل القلم أو المفتاح وغيرهما ثم ابتلعه أفطر أيضا .
النخامة النازلة من الدماغ
أما النخامة (البلغم) النازلة من دماغ الصائم ففيها حكمان لدى الفقهاء ، فأولهما يقول : إن النخامة أو البلغم مثل الريق لأنه معتاد في الفم غير واصل من الخارج وثانيهما يقول : إن ابتلاع النخامة النازلة من دماغه فإنه يفطر لأنه وصل إلى الفم من خارج ، والأول هو الرأي الراجح والموافق لقضية اليسر وعدم الحرج في الدين الإسلامي .
دم اللثة
لو جرحت لثة الصائم وسالت دما فإن لم يبتلع شيئا منه عمدا ونظف فمه فورا صح صومه ولا يفطر ، والواجب عليه في مثل هذه الحالات تطهير فمه قبل بلع ريقه وبصق ماء التطهير جيدا ، ولو نزل شيء منه أثناء ذلك قسرا عنه وبدون قصد وإرادة فيعتبر عذرا لا يفطر ولا يوجب القضاء ، والله أعلم .
حكم القيء
أما إذا تعمد القيء باختياره ولو لعذر ففسد صومه وعليه القضاء ، فإذا قاء غصبا عنه فلا يفطر ، وقال صلى الله عليه وسلم :”من ذرعه القيء فلا شيء عليه ومن استقاء فليقض” .
الحقنة لغة
“الحقنة” لغة : اسم المصدر لفعل حقن أي حقن المريض إذ أوصل الدواء إلى باطنه من مخرجه بالمحقنة ، واحتقن هو بنفسه والاسم : الحقنة مثل الفرقة من الافتراق ، ثم جرى الاطلاق على ما يتداوى به والجمع حقن ، مثل غرفة وغرف .
أنواع الحقنة
والحقنة في الاصطلاح الحديث تطلق على النوعين من الإيصال بالمحقنة إلى داخل الإنسان فالأولى : حقن الدواء ونموه في العروق وغيرها مثل الشرايين وتحت الجلد وذلك إيصال الدواء للتداوى أو التخدير والثاني : هو إيصال بعض المواد الغذائية إلى الإمعاء ويقصد بها تغذية بعض المرضى ، والإمعاء مثل المعدة من الجهاز الهضمي .
وقد اختلف العلماء في الحكم على الحقنة أثناء الصيام ، إفطار أو عدمه في ضوء الاجتهاد والقياس على ما ورد في السنة من أحكام في مثل هذه الحالات .
وقال بعض العلماء ومنهم الإمام مالك والإمام أحمد والشيخان النعمان ومحمد بن الحسن أن الحقنة للصائم في العروق وغيرها مباح ولا يفطر به قياسا على الكحل لأن الاكتحال في العين لا يفطر ولو وجد طعمه في حلقه وكذلك استعمال القطرة في العين والمس بها لقول عائشة رضي الله عنها :”اكتحل النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم” (أخرجه ابن ماجه والبيهقي وأبو داود) ، وهذا أيضا بالقياس على الادهان بالزيت وغيره كالروائح في الشعر فلا يفطر به وإن وجد أثره في الحلق والأنف وغيرهما ، واستدلوا أيضا بحديث البخاري عن أبي مسعود :”إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا ” ، وكان السلف يستحبون للصائم التجمل بالترجل والادهان والكحل وغيره فهذه هي الحقنة التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية : إنها لا تفطر الصائم .
وأما النوع الثاني من الحقنة أي إيصال المواد الغذائية إلى المعدة والإمعاء حيث يقصد بها تغذية المريض فهو يفطر الصائم ، واستدلوا على ذلك بأحكام الأكل والشرب للصائم لأن النص قد أثبت الفطر بالأكل والشرب لأن المراد به إيصال الأغذية والأشربة إلى الجوف ولو كان ذلك عن طريق الحقنة والغاية من الأكل والشرب هي التغذية به والتقوية ، فإن الكحل والادهان ، والحقنة في العروق أو تحت الجلد ليس كذلك ، فإن كل منها لا يغذي البتة وكذلك لاتصل بالحقنة إلى المعدة ، وأما الحقنة التي تفطر الصائم فتكون مباحة في المرض الذي يبيح الفطر ويدور حكمها مع حكم المرض المبيح للفطر والله أعلم .
وتكمله للفائدة وتعميما للنفع من هذا البحث الموجز عن موضوع الحقنة في الصائم ، أرى من المناسب نشر نصوص فتوى مفتى الديار المصرية وفتوى مشيخة الأزهر حول مسألة الحقنة في الصائم في رمضان لكونها من الجهات المعتمدة عليها في المسائل الفقهية ولمزيد من التدقيق والتحقيق يرى القارئ الكريم صورة فوتوغرافية للصفحة التي تضم تلك الفتاوى من كتاب “مدرسة الصوم” للشيخ عبد اللطيف مشتهري طبع القاهرة :
الشيخ بخيت يفتي في حقنة الصوم :
وقد سئل الأستاذ الجليل الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية سابقا رحمه الله من حكم الحقنة تحت الجلد أو في العضلات أو في سائر الجسم وسواء كانت للتداوي أو التغذية أو للتخدير (كالمورفين) المخدر وغيره بحيث تكون الفتوى شاملة الحكم على المذاهب الأربعة ، لمصدر من فضيلته الجواب على هذا السؤال هكذا (أنه لو ادهن أو اكتحل لا يفطر ولو وجد طعمها أو بزق فوجد لونه في الأصح – أما الحقنة تحت الجلد فلا تفسد الصوم باتفاق المذاهب الأربعة سواء كانت للتداوى أو للتغذية أو للتخدير وفي أي موضع من البدن – ومثلها الحقنة في العروق والحقنة في الشرايين – ثم قال فالحق أن الحقنة بجميع أنواعها المتقدمة لا تفطر) العدد الثاني من السنة الأولى من مجلة الإرشاد سنة 351 هـ ص 42 وما بعدها كما في إرشاد الخلق جـ 8 ص 360 ,
فتوى مشيخة الأزهر في الحقنة برمضان :
وقد أصدرت مشيخة الأزهر فتوى برئاسة فضيلة الأستاذ الجليل عبد المجيد سليم رئيس اللجنة في موضوع الحقن في رمضان وختمت اللجنة فتواها في الحكم بقولها :
“واللجنة ترى الأخذ بمذهب الصاحبين ومن وافقهما في أن ما يصل إلى الجوف من غير المناخذ الطبيعية لا يفطر ، لأنه أرفق بالناس ، وعليه لا يفطر الصائم بالحقن المعروفة الآن بجميع أنواعها سواء أكان الدواء أو الغذاء يصل بها إلى الجوف أم لا ، أما إذا لم يصل فالأمر ظاهر ، وأن وصل فإنما يصل من منفذ عارض غير خلقي” (ونشرت هذه الفتوى بجريدة المصري العدد – 3781 ص 3 ، 6 بتاريخ 19/6/1948م السبت ، ) ويلاحظ أن هذه الفتوى الرسمية وردت ردا على سؤال للأستاذ للشيخ عبد العزيز موسى واعظ القاهرة ناقلا رسالة طبيب سوريا يدعي الإفطار بتناول الحقن .