الخليج اليوم – قضايا انسانية –4/11/1985
قد أكدت نصوص عديدة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ضرورة التحلي بخلق التواضع ، عن التكبر ، وأن التكبر جهل وجماقة ، ودليل على أن صاحبه لا يعرف قدر نفسه وحقيقة أمره فلو عرف ربه نفسه لعلم أن الكبرياء لله وحده وجاء في حديث قدسي أن الله عز وجل قال : “العز إزاري، والكبرياء ردائي فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته ” . وقال صلى الله عليه وسلم : “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ” .
أوله نطفة وآخره جيفة !
ولو عرف الإنسان العاقل أن أوله نطفة قذرة وآخرة جيفة عفنة وهو الآن سلة تحمل قاذورات نتنة ، لخجل من نفسه ، ووقف عند حده وعاد إلى صوابه وابتعد عن كبره وغطرسته ! وحقيقة الكبر استعظام نفسه واستصغار قدر غيره كما جاء في الحديث الشريف :
“الكبر بطر الحق وغمط الناس ” أي رد الحق واحتقار الناس . وسبب الكبر عجب الإنسان بنفسه لعلمه أو ماله أو جاهه أو نسبه أو سلطانه وغير ذلك من الأشياء التي تدعو إلى الإعجاب بالنفس ناسيا أن الله تعالى هو المنعم بهذه الأشياء وإن شاء سلبها منه ، في أي وقت شاء .
طريقة اكتساب صفة التواضع
وإن علاج داء الكبر والعجب هو الداء الخبيث القاتل لصاحبه هو أن يعرف قدر نفسه وأن الكبرياء لرب العزة وحده ولا يجوز لأي إنسان أن يسمح لذرة من الكبر أن تتسرب إلى قلبه فإنها جرثومة خطرة فتاكة كثيرة التوالد ، تطمس نور الإيمان ، وتكدر الأعمال الصالحة ، تجعله أما الناس مرذولا وممقوتا ، وعن طريق هذه المعرفة والاقتناع بها يكتسب صاحبها “صفة التواضع” . ويدرك تماما فحوى الحكمة المأثورة : من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ! ” .
وقد جاءت في القرآن آيات عديدة في النهي الصريح عن خصال التكبر والتعالي . ومنها قوله تعلى : “تلك اللدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” . وقال أيضا : “ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله لا يحب كل مختال فخور ” .
إن من طبيعة الناس أنهم لا يحبون من يتكبر عليهم ويحتقرهم ، فإنهم ينفرون عن المتعالي والمستصغر لهم ، ولا يلتفتونإلى كلامه وحياته ، ومن هنا يجب على كل من يريد أن يتعايش مع الناس في ألفة ومودة وتعاون أن ينتبه إلى هذا الأمر جيدا ، وعليه أيضا أن يدرك أن من طبائع الناس أنهم لا يحبون من يكثر الحديث عن نفسه وعليه أن يعرف أيضا أن جميع ما عنده هو محض فضل الله عليه . وهو الذي قال : “لئن شكرتم لأزيدنكم” .
الأسوة النبوية
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فاتحا ، وهو منكس الرأس ، خاشعا تواضع لربه واعترافا به بفضله . وينبغي أن يكون هذا خلق المؤمن دائما ، فكلما وفق في أعماله وتجارته وصناعته ووظيفته ونجح في مساعيه وجهوده يزداد تواضعا لله المنعم عليه وخشوعا أما عظمته وأفضاله ، وترحما لإخوانه وزملائه ورفقائه .
ويقول الله سبحانه وتعالى مؤدبا ومرشدا رسوله الكريم أحسن تأديب وأقوم إرشاد في مجال معاملته مع الناس من أتباعه وأصحابه : “واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ” .
وقال أيضا : “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ” .
وقال تعالى في ذم خشونة الطبع وغلظة القلب مخاطبا رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم : “فما رحمة من الله لنت أهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ” . فكيف يمكن تصور عدم انفضاض الناس ونفورهم عن خشن الأخلاق وبذيئ الكلام وغليظ القلب وشديد الطباع مهما كانت مكانته العلمية والمالية والاجتماعية ؟ !.