الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 23-نوفمبر -1986 م
لقد انتشرت وتعددت وتوسعت الثقافات في العالم منذ القدم بأسماء مختلفة وتعاريف متنوعة ومظاهرة مشتتة ، وألفت عنها الكتب ووضعت لها الدواوين وخصصت لها المكتبات والمتاحف ، وحفرت لها الأحجار وبنيت لها البيوت والقلاع والحصون ، لكل منها شعارات خاصة وملامح متميزة وألقاب جذابة وعناوين خلابة وجدير بالذكر في كل حين ومكان ومحيط ، أن كلا من هذه الثقافات أو الشعارات الثقافية ، منسوب أو مضمون ، وبعبارة أخرى أن كلا منها يحمل اسما وشعارا انتمائيا إلى نعرة من النعرات الجغرافية أو القومية أو الجنسية أو اللغوية أو العرقية ، وتكون لكل منها لغة أو لغات وآداب ومذاهب وأفكار وعادات وطقوس ، وتحفظها تنقلها وتعلنها وتذيعها عن طريق القصائد والأشعار والأغاني والأناشيد وفي العصور الأخيرة قد تسربت هذه الانطباعات أو النزعات إلى المسلمين أيضا فتكونت بينهم شعارات ثقافية مختلفة حسب الانتماءات الإقليمية والوطنية واللغوية المحلية فصارت كل شعب من شعوب الأمة الإسلامية أو لكل جنسية من جنسيات دول المسلمين ، ثقافة تعرف منسوبة إلى تلك الانتماءات الفرعية أو المحلية حتى تلاشت مقومات الثقافة الإسلامية الفطرية العامة في طيات هذه الألقاب الهامشية وملامحها ومظاهرها .
ومن منطلق هذه التفريعات أو التقطيعات الثقافية لأم الإسلام حسب المناخات الجغرافية والإقليمية واللغوية المحلية والشعارات القومية والوطنية ، ينبغي الصحيح الحقيقة ودارس الأصالة وطالب التصور الصحيح للثقافة التي يعنيها الإسلام ويتضمنها القرآن وتحملها الرسالة المحمدية الخالدة الشاملة إلى الإنسانية المتأرجحة في غياهب الحروب والكروب العنصرية والعرقية والقومية والمتأججة في سعير النعرات الفتاكة لرفاهية الإنسان والفكاكة لأوصال البشر من بني آدم ، بسبب التصور الهدام والمنظور المهلك لروابط الإنسانية وصلاتها التي هي مصدر الإخاء والرخاء بين أفرادها وجماعاتها ، وتقطيعها مصدر الشقاء والفناء بأيد بعضهم بعضها ، جهلا وزورا .
إن المفهوم الثقافي في تصور الإسلام إنما هو تصور شامل للنزعات الكونية والإنسانية بمعنى أن القرآن قد وجه الفكر البشري إلى إقامة ثقافة شاملة للنزعات الإنسانية كلها ونافذة إلى حقائق الفطرة الكونية بحذافيرها ، وبموجب هذه النظرة العامة الشاملة قد استهدف الإسلام إقامة ثقافة على أساس المبادئ والقيم لأعلى أساس الوطن والعرق أو اللغة واللون وبعبارة أدق يمكن أن نقول أن ثقافة الإسلام إنما هي ثقافة كونية أي فطرية إنسانية تتطابق مع مختلف القوميات والوطنيات والجنسيات ، ويكون موقف الثقافة الإسلامية المتميزة من هذه النزعات المتفرعة من القوم أو الوطن أو العرق أو اللغة والإقليم ، إما توحيد تلك الثقافات المحلية المحدودة في كل شعب أو قطر من العالم الإسلامي الأوسع تحت شعار مبادئ وقيم الثقافة منها في شعار الثقافة الإسلامية وأمة العقيدة ووحدة الأهداف وهذا هو أعلى الدرجات وأسمى المراتب في المنظور الإسلامي للثقافة كما صورها وطبقها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والسلف الصالح ، وأما الدرجة الأدنى منها فهو أن تكون للمسلمين جميعا في مختلف الأقطار والدول والبيئات ثقافة إسلامية مشتركة ويكون انتماؤهم التام الأصلي إليها شكلا وموضوعا وقلبا وقالبا وعملا وهدفا ، مع الاحتفاظ بملامح وآداب ولغات الثقافات المحلية قومية أو وطنية أو لغوية أو قبلية بحيث لا تتجافى من القيم الإسلامية ولا تتعارض مع مبادئها وتعاليمها في إطار تصورها الكوني الإنساني على مصدرية الوحي الإلهي الذي يحدد مفهوم العلاقة بين البشر بقوله : “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وقوله أيضا : “ونزعنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“وما فرطنا في الكتاب من شيئ” (الأنعام : 38) .
من الهدي النبوي
“هو كتاب الله فيه نبأ ما بعدكم وخبر ما قبلكم وحكم ما بينكم” (رواه الترمذي) .
من الأدعية المأثورة
“يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك” (الترمذي) .