الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 24-ديسمبر-1985 م
نرى في التاريخ الحديث أمما عديدة تمزقت وحدتها وتفرق شملها ، لأسباب داخلية من حروب أهلية دينية وطائفية وسياسية وغيرها ، أو لأسباب خارجية من حروب استعمارية واقتصادية وعنصرية ، ومن الأمثلة البعيدة على هذه الحقيقة التاريخية شأن ألمانيا حيث كانت تلك البلاد مسرحا لحروب دينية أهلية دامت أجيالا بين الكاثوليك والبروتاساتانت وما بين هاتين الطائفتين من فرق وشيع عديدة وكانت الحروب السياسية أيضا كانت مندلعة في مختلف أنحاء ألمانيا ، وكان في كل إقليم منها مملكة وعرش وتاج . وكانت حالة إيطاليا أيضا مثل ألمانيا ، في تلك الفترة من المشاحنات الدينية والطائفية والعنصرية .
كانت ألمانيا من حيث الفرقة الدينية والفرقة العنصرية والفرقة السياسية في تحارب وتخاذل رهيبين لمدة أجيال حتى جاءت حرب 1987 م تهدد كياتها وأمها ، عادت إلى عقلها الواعي وتوحدت ووقفت قومة رجل واحد في وجه الخطر الخارجي . ومنذ ذلك الحين لم تستطع أكبر قوى العالم أن تعيد ألمانيا إلى حالة الفرقة ولم تستطع بريطانيا ولا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بمالها من القوة والسلطان أن يمزقوا ألمانيا بعد أربعين سنة من اتحاد شعوبها والقضاء على الطائفية والحروب الدينية .
وكانت إيطاليا على نفس الحال من المتزق بين سلطات الكهنة زعماء السياسة وقواد الجيوش ، حتى صارت جسما محطما ومتناثرا ، وبدأ الناس يسخرون م الداعين إلى الوحدة الطليانية .
ولما انتهت ألمانيا وإيطاليا إلى مخاطر السخافات الطائفية وتخلصت من براثنها واتحدت تحت لواء المصلحة العامة الوطنية والقومية ، ذاقت نعمة الأمن والغنى والجاه والقوة والنفوذ في شؤون العالم ، ولم يستطع أكبر القوى في الدنيا مع جيوشها الجبارة أن يمزق وحدة شعب الألمانيا ويعيد إليها الهتافات المحلية والنعرات الطائفية . وفي تاريخ هاتين الأمتين المتحدتين بعد أجيال من التمزق والتفرق عبرة ودروس للأمة العربية في العصر الحديث .
إن من أوجب الواجبات على دعاة الوحدة العربية والإسلامية أن يفهموا بأنفسهم جيدا ثم يفهموا الآخرين أيضا أن تمزيق الأمة العربية إلى شعوب وقبائل ، وإيقاد نار الفتنة بينها وإشعال الحروب والكروب الطائفية والحزبية بين صفوف وحداتها المتناثرة هنا وهناك ، ماهو إلا أثر من آثار الجهل ومظهر من مظاهر الالاعيب الاستعمارية ، للصيد من الماء العكر وليس هذا التمزيق دليلا على فقدان هذه الأمة مكونات وحدتها وضياع حيويتها وانحلال مقومات كيانها المستقل .
وعلى أبناء العالم العربي أن يقاوموا الجهل ومظاهر الانبهار بحضارة الغرب . وأن استماتة الاستعمار والصهيونية والاستشراق لتمزيق وحدة العرب إنما دليل على عظمة الأمة العربية ومكانة وحدتها .