الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 9-يوليو-1986 م
إن الإسلام دين الفطرة السليمة والنظام الإسلامي دعو وتدريب للإنسان للالتزام بنواميس الفطرة وقوانين الطبيعة وصد عن الانحراف والانحلال ، ودفع له إلى حياة الانتظام والانضباط . وكل هذا يدعو الإنسان السليم إلى التمسك بخط النظام والصراط المستقيم ، وأي انحراف عن هذا الخط وذلك الصراط سوف يؤدي حتما إلى الفوضى والارتباك والبلبلة والتشويش .
ويجب أن يفهم كل من يريد إدراك مفهوم الحرية في الإسلام أن الفطرة الحقيقية هي الدين القويم كما أكد بذلك دستور الإسلام : “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” ، وأن حرية الإنسان في الكلام والعمل – من منطلق الفطرة وهي الإسلام – مقيدة بحدود القوانين الفطرية ، وأن الخروج عن هذه الحدود بأي اسم ومبرر كان إنما هو الفوضى والانحراف والتسيب المائع بحيث يهوي بالإنسان السوي إلى مستوى البهائم بدون وازع عقلي وضابط فطري ونظام خلقي فلا تطلق كلمة الحرية ، حقيقة ولا مجازا ولو تشدق بها المخرفون والمنحرفون والفوضويون لأن انضباط والالتزام والاعتدال هو زمام الحرية .
وإذا استعمل الإنسان حريته بدون استخدام بدون استخدام إرادته وفكرته وتقييمه لنتائج حركاته من الأقوال والأفعال ، وبدون مراعاة كرامة الآخرين وشعورهم ومصلحتهم ، فإن هذا الاستعمال سيجر عليه وبالا كبيرا ومصيبة كبرى وبالتالي فإن هذا النوع من الحرية يضره أكثر مما ينفعه ، ولذا يفرض الإسلام على الإسلام على الإنسان أن يدرك أن هناك قيودا والتزامات لاستعمال الحرية الشخصية فإن العقيدة الإسلامية والأحكام والواجبات والحقوق التي حددها نظام الإسلام تحدد وترسم مناهج ومعالم الحرية في مفهوم الإسلام لأن الفرد مثلا إذا استخدم حريته بدون حدود وقيود ربما يتصادم مع مصالح أفراد أسرته أو جيرانه أو مجتمعه المتفاوت المصالح والمنافع والمتداخل في شؤون الحياة المختلفة فتصير حريته المنطلقة بدون حدود وقيود وضوابط ، مضرة لمصالح الآخرين وكرامتهم وعزتهم فلا يرضى بذلك الإسلام أبدا لأنه دين الأخوة الإنسانية والمساواة العالدة في شؤون الحياة للبشرية كافة .
لقد وضع الإسلام ثلاثة مجالات هامة تخضع للحرية الشخصية بمفهوم أدق وأوسع ، ولها قيمة كبرى في حياة المجتمع الإنساني وانضباط الأمور في الدنيا واسقرار الأمن والسلام على وجه الأرض ، وإذا فقد فرد أو مجتمع الحرية المنضبطة والمنتظمة في أي من هذه المجالات الثلاثة فإن ذلك سوف يؤدي إلى الحروب والكروب والاحتكاك والتصادم والمطالبة والمعارضة بصخب وشغب وفوضى ، كما أن التاريخ الإنساني الماضي والحاضر شاهد عليه وماثل أمام الأعين ، في كل مكان على وجه المعمورة وسوف تستمر هذه الحالة ما دامت عواملها موجودة وبواعثها ظاهرة .
ولهذه الأسباب المنبعثة من القوانين الفطرية للإنسان قد رسم الإسلام معالم هذه المجالات الثلاثة للحرية الشخصية لمصلحة الأفراد والجماعات والأوطان والمجتمعات وهي كما يلي :
1 – حرية اختيار العقيدة
لقد منح الإسلام لكل إنسان عاقل بالغ حرية اختيار العقيدة والدين بدون أي إكراه أو إجبار .
فقد أعلن دستور الإسلام القرآن الكريم بكل صراحة ووضوح لا “إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” ثم قال مخاطبا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس : 99) ، وقد استنكر الإسلام إكراه أحد على اعتناق عقيدو أو دين ولو كان ذلك الإسلام لأن الإيمان والعقيدة والخضوع الديني محله القلب وطريقه الاقتناع والإذعان ولا يتأتى ذلك بالإكراه والتهديد والإجبار .
2 – حرية الكلام
إن الإسلام قد أعطى حرية التعبير عن الرأي لكل فرد بحيث لا يضر مصالح الآخرين ، وقد وضع حدودا وقيودا للكلام ولا يجوز للمسلم استعمال هذا الحق بدون ضابط والتزام فمثلا فلا يسمح الإسلام له الجهر بالسوء وإفشاء الأسرار العائلية والحكومية ، ولا يجوز له التهكم والسب والغيبة والنميمة .
3 – حرية العمل
أجاز الإسلام لكل فرد أن يختار العمل الذي يريده ويناسبه مادام ملتزما بالآداب العامة وبدون إيذاء وإضرار الآخرين ، فإذا ترتب على عمله الذي يختاره ضرر بأشخاص أو المجتمع أو الدولة فلا يبيح له الإسلام ذلك العمل ، وكذلك لا ينبغي أن يكون عمله في المتجر أو المصنع أو المسكن يزعج الآخرين ويضر مصالحهم المشروعة وليس من حق أحد أن يدعي حريته في ممارسة ما يشاء ولو كان في ذلك مضرة وخسارة للآخرين وأن الحرية الشخصية في الإسلام مقيدة بالقاعدة الإسلامية العامة المعلنة : “لا ضرر ولا ضرار في الإسلام” .