المدينة ربيع الآخر 1400/12
ومن الوسائل الرئيسية التي اتبعها الدعاة المسلمون في الهند في سبيل نشر الدعوة الإسلامية في جميع المراحل :
أولا : القدوة الشخصية :
اتخذ الدعاة ، القدوة الحسنة الشخصية كوسيلة رئيسية في أداء رسالتهم نحو نشر التعاليم القرآنية والإرشادات النبوية في أفراد الأمة الهندية وجماعاتها ، وتمسكوا بهذه الوسيلة اعتقادا راسخا منهم بأن إسداء النصح والأوامر بدون أن يكونوا هو القدوة الأولى لا يؤثر في القلوب ولا يؤدي إلى الهدف المطلوب ، وهذه هي إحدى الميزات التي امتاز بها الدعاة المسلمون في شبه القارة الهندية ، وكانوا دائما مظهرا حيا لما يدعون إليه من الخلق القويم والأعمال الصالحة حتى يتأثر بها المدعوون بالقدوة الشخصية والسلوك الشخصي .
وثانيا : الموعظة الحسنة :
وهي الكلام اللين المشتمل على العظات التي يستحسنها السامع ويندب للاستماع إليها وتقلبها ، وكانوا يتمسكون في ذلك بإرشاد قوله تعالى :”ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” (فصلت : 34) فانجذب سكان البلاد إلى حظيرة الإسلام مقتنعين بصدق الدعوة وصدق الدعاة ومتأثرين بدين العدل والمساواة ، نعم وقد وجدوا في هؤلاء الدعاة أخلاقا بعيدة عن شوائب المآرب الشخصية أو المطالب الذاتية .
وثالثا : ابتعادهم عن المآرب السياسية :
وكان الدعاة المسلمون الحقيقيون في الهند ، في بعد تام عن ساحة الملوك وأصحاب السلطان كما كانوا يتبعون حياة الزهد والقناعة ولقنوا مبادئ الدين الحق للناس وعلومهم آداب الإسلام وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، وقد أدركوا جيدا أن الاهتمام بالسياسة والاختلاط بأصحابها يلهيهم عن مهمة الدعوة الخالصة وجذبهم إلى الحزازات الطائفية والاختلافات الداخلية فكرسوا جهودهم وأوقاتهم وطاقاتهم في أمر الدعوة ، ولذا ارتفعت مكانتهم في قلوب الشعب وأصبحوا بعيدين عن نطاق التهم والشكوك .
رابعا : جهودهم الفردية :
فكان الدعاة المسلمون يقومون بإرشاد الناس إلى طريق الحق وتلقينهم مبادئه بالاتصال الشخصي ، حيث يخالطون الجماهير ويعاشرونهم ويجالسونهم ، فيتأثر سكان البلاد بأخلاقهم الزكية وآدابهم العالية فاختاروا سبيل هؤلاء الدعاة المرشدين عن انشراح صدر وطيب نفس وأن ابتعاد هؤلاء المرشدين عن ساحات الملوك والحكام وأصحاب السلطان ، قد أكد للشعب إخلاصهم في دعوتهم وبراءتهم عن أي مأرب سياسي أو مادي .
خامسا : مخاطباتهم الناس بلغتهم وبقدر عقولهم :
فكان هؤلاء الدعاة ينتمون إلى قسمين قسم هاجروا إلى الهند واتخذوها مقرا لهم للدعوة إلى الله ونشر مبادئهم الروحية ، وقبل أن يبدأوا مهمتهم تعلموا لغات القوم ودرسوا ظروفهم البيئية واتجاهاتهم النفسية وانحرافاتهم الخلقية ، لكي يخاطبوهم بلسانهم وتصل دعوتهم ، وإلى قلوب المخاطبين ومشاعرهم ، وحتى تعالج الانحرافات التي وقعوا فيها ، سواء أكانت خلقية أو اجتماعية او دينية .
والقسم الثاني، هم الدعاة الهنود الذين تشبعوا بدعوة الإسلام وأحسنوا لغة البلاد ودرسوا طبيعة قومها وبيئتها .
وهكذا اجتمعت في هؤلاء الدعاة شروط نجاحهم والصفات التي يجب أن تتحقق فيهم من نظرة الإسلام وقدوة الأنبياء والرسل ، فتوفر فيهم الخلق القويم والصبر الجميل والعزم الأكيد والإيثار والفهم الواعي للبيئات والظروف ، وكذلك امتازوا بميزة لا بد أن يتحلى بخا كل داع ليكفل لهم النجاح والنصر في دعوته ، وهي القدرة على التبليغ بلغة المخاطب بكل إتقان ولباقة وثقة .
وأن حاضر الدعوة الإسلامية في الهند يعتمد اليوم على الدعائم الثلاث الآتية :
أولاها : المعاهد الإسلامية المنتشرة في مدن الهند وقراها ، وهي بمثابة مراكز كبرى للإشعاع الديني لمسلمي الهند اليوم ، ولها فضل كبير في نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية ويجري معظم هذه المعاهد بطريق المساعدات الفردية والتبرعات الأهلية وفيها عدد من المدارس ، والكليات التي تتلقى مساعدات من الجامعات الحكومية والجهات الرسمية .
وثانيتها : المساجد والتكايا التي تجري فيها الحلقات الدراسية الإسلامية حسب النظم القديمة ، وتعيد المساجد في الهند اليوم دورها الذي كانت تلعبه في الماضي في نشر الإشعاع الديني والثقافي للمجتمع الإسلامي وكانت محط آمال طلاب النور والعرفان في كل ركن من أركان العالم الإسلامي ، وتضم الهند آلاف المساجد التي تجري فيها الحلقات الدراسية النظامية ، تدرس فيها العلوم الإسلامية واللغة العربية كما أن خطباء هذه المساجد يلقون دروسا دينية صباح مساء ، إلى جانب دروس وخطب أيام الجمع ، وفوق هذا وذاك فإن وجود هذا العدد الكبير من المساجد العظيمة التاريخية ، التي تضاهي أفخم وأجمل المساجد الكبرى في العالم ، في أنحاء الهند ليعيد إلى أذهان مسلميها مجد ماضيهم فيها ويذكرهم بمسئوليتهم على حفاظ هذا التراث الضخم ، ولا يتأتى ذلك إلا بالمحافظة على شعائر الإسلام والتمسك بمبادئه والعمل على نشر دعوته .
وثالثتها : الجماعات والهيئات الإسلامية التي تقوم بواجب الدعوة والتبليغ ولم نر في تاريخ الدعوة الإسلامية الطويل في شبه القارة الهندية جماعة أو هيئة رسمية أو غير رسمية ، أنشئت لغرض الدعوة والتبليغ حسب منهج تبليغي منظم ، وكل ما رأيناه في مجال الدعوة هو الجهود الفردية من الدعاة المخلصين من العلماء والوعاظ الذين اتخذوا من مجالسهم وإبرازها ناصعة واضحة أمام الناس كما كانوا يقومون برحلات وجولات في سبيل نشر دعوة الحق بطريق الموعظة والإرشاد ، وفي جميع الأحوال كانوا قدوة حسنة وحية في حياتهم الخاصة والعامة للتحلي بالأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة والإخلاص والوفاء ، كما كانوا يهتمون بتربية الناس على الطباع المستقيمة التي يدعوا إليها الدين الحنيف .
ولم يحدث تطور يذكر في الوسائل المذكورة للدعوة الإسلامية في شبه القارة إلا في القرن العشرين ، حيث ظهرت بعض الجماعات الإسلامية تهدف إلى نشر الدعوة في أنحاء البلاد ، فيمكن لنا أن نقسم هذه الجماعات ، الهادفة إلى نشر الدعوة الإسلامية ، إلى نوعين حسب المنهج الذي تسير عليه في تحقيق مهمتها ، جماعات تقوم بنشر الدعوة بين الناس عمليا ، بالاتصال المباشر بالناس في أنحاء البلاد ورجال هذه الجماعات يخرجون في سبيل الدعوة إلى المدن والقرى ويتصلون بعامة الناس وخاصتهم ويلقنونهم مبادئ الإسلام ويحثونهم على العمل بها وفي مقدمة هذا النوع من الجماعات “جماعة التبليغ” التي لها نشاط ملموس في مجال نشر الدعوة الإسلامية في أنحاء الهند ..
ومنها جماعات تركز اهتمامها بنشر الدعوة الإسلامية علميا ونظريا فأصحابها يوجهون نشاطهم إلى الطبقة المتعلمة أكثر من إلى عامة الناس ، وذلك بنشر فكرة الإسلام ، بطريق الكتب والمجلات في مختلف اللغات المحلية ، بأسلوب علمي ومنطقي يجذب أنظار المتعلمين إلى مبادئ الدعوة الإسلامية وقواعد شريعتها في مختلف مرافق الحياة البشرية ، وأفضل هذا النوع من الجماعات القائمة “الجماعة الإسلامية” الهندية ، وهناك أيضا مؤسسات إسلامية تخدم الإسلام عن طريق معاهدها العلمية ومنها جماعة أهل الحديث .. وجمعية العلماء وندوة المجاهدين وندوة العلماء وجمعية التعليم الإسلامي ولكل منها نشاط ملحوظ في مجال الدعوة الإسلامية في أرجاء الهند ..
إن هذه الدعائم الثلاثة الرئيسية تقف كمشاعل تنير الطريق أمام الجيل الحاضر ، وكذلك ستظل الأجيال القادمة بإذن الله تعالى ، كما أن مجرى الدعوة الإسلامية منوط بهذه الركائز في مرحلتها الحاضرة في الهند اليوم ، منوط بها أيضا مستقبل هذه الدعوة في تلك البلاد .