الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 19-أبريل-1986 م
إن المجتمع الذي ينشده الإسلام إنما هو مجتمع متكافئ ومتكامل ومتضامن ومتعاون في جميع مرافق الحياة البشرية بحكم الالتزام وليس بصفة الاحترام ، وبحكمه الإيمان القلبي وليس بصفة الإذعان الودي لأن القرآن والسنة النبوية وهما الأصلان الأساسيان لدستور الإسلام الخالد ، قد جعل الدفاع عن حرمات المسلمين والمحافظة على حقوقهم واجبا شرعيا وفرضا عينيا على كل مسلم ومسلمة ، كل في دائرة استطاعته ومجال حدوده ومقدوره ، وجدير بالإدراك الصحيح والوعي السليم إن مبدء الدفاع عن حرمات الأمة الإسلامية وتعظيمها من صميم مقتضيات الإيمان وليس على سبيل المشاركة العاطفية أو المصالح المتبادلة ، حسب الأعراف والتقاليد المستحدثة الجارية الآن في المعاملات الدولية كما هو واضح من الاستعراض التالي الموجز .
تعظيم حرمات المسلمين من صميم الإيمان
إن الدفاع عن حرمات المسلمين والدفاع ن حقوقهم لمن مستلزمات الإيمان ومتطلبات الأخوة الإسلامية بدليل نصوص القرآن والسنة بل ويتبين أن هذا المبدأ من صميم الإيمان ومن أوجب الواجبات على كل فرد من الأمة الإسلامية فدعنا الآن نحاول بقدر المستطاع استيعاب فحوى بعض الآيات القرآنية الصريحة الواضحة وكذلك عددا من الأحاديث النبوية الجامعة الدالة على حكم بالغة في هذا المجال الهام في حياة الأمة الإسلامية : ومن الآية الدالة على ارتباط تعظيم حرمات المسلمين بقضية الإيمان قوله تعالى : “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” (التوبة : 71) ، وقوله أيضا : “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم” (الحجرات : 10) ، وقوله كذلك : “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة” (النور : 19) ، وقال تعالى وهو يحث على تماسك أهل الإيمان ووقوفهم صفا واحدا ضد أعداء الإيمان وإنصار الكفاران والفتنة والإفساد في الأرض ” محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم” (الفتح : 19) . وقال أيضا : “يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤته من يشاء والله واسع عليم” (المائدة : 54) . وقال تعالى مبينا الفرق بين المتقاعسين وبين المدافعين عن حقوق المسلمين : “لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير الضرر والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ، درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ” (النساء : 95) .
وأما الأحاديث الدالة على وجوب الدفاع عن حقوق المسلمين وتعظيم حرماتهم أينما كانوا وحينما كانت فكثيرة ومتنوعة ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه) ، وقوله : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه” (متفق عليه) ، وقوله أيضا : “لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ” (متفق عليه) .
قتال المسلم كفر وسبابه فسوق
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاديا ومرشدا أمته لتكون حياته على وجه الأرض أمنه ومطمئنه وتصبح سيرتها لسائر الناس قدوة حسنة ولتصير طريقة حياتها مبشرة لا منفرة ورحمة ولا نقمة .
“بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله ” (متفق عليه) . وروى الإمام البخاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يرى رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك” .
وقد وردت أحاديث كثيرة شديدة اللهجة في تحريم لعنة مسلم أو الطعن في عرضه ونسبه” .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم بعبارة صريحة بالغة الوضوح والصراحة : ولعن المؤمن كقتله” (متفق عليه) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا” (رواه مسلم) ، وفي رواية له أيضا : “لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة” . وجاء في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها ” (رواه داود) ، وفي هذه الإرشادات النبوية والتحذيرات ذكرى وعبرة لكل من يصدر صيحات اللعنات ، ويتشدق بكلمات الستائم وألفاظ الكفر والفسوق ضد كل من تسول له نفسه ويراه مخالفا لرأيه أو حزبه أو جماعته ، ونرى دائما أن مثل هذا الجزاف من القول والمقال أو الخطب والبيان قد جر على المسلمين وبالا وتسبب لتفريق جمعهم وتشتيت شملهم ، فخير لهم أن يعودوا إلى رشدهم ويتعظوا بإرشاد ربهم وتنبيه نبيهم ! .