الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 22-يناير-1986 م
لقد جاء الإسلام لتحقيق الفطرة الإسلامية التي فطر الله الناس عليها في جميع مرافق الحياة البشرية لأن نظام إلهي عالمي من رب العالمين فلا يمكن أن يحصل أي تناقض أو تراجع أو تضاد بين قوانين الطبيعة وقوانين النظام الإسلامي ومن هنا يطلق على الإسلام “دين الفطرة” . “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” .
وأن الإنسان من حيث هو إنسان ذو طبيعة مادية وذو حاجة روحية . وبما أن الغريزة الجنسية غريزة إنسانية فطرية لا بد أن تفهم وتوضج في إطار فهم فطرة الإنسان من حيث هو إنسان لا كما هو ذو طبيعة مادية فقط أو كما هو ذو طبيعة روحية فقط . وبينما نرى في طبيعة الجنس من الحيوان تجاوبا وتجاذبا بين الذكر والأنثى في أوقات وحالات معينة من سائر فضائل الحيوانات وينجذب الذكر والأنثى منها إلى شهواتهما ورغباتهما تلقائيا بلا تخطيط وتنظيم وبلا تفكير في النتائج والعواقب ويبصر ويخطط لإشباع هذه الغريزة تخطيط عاقلا وبصيرا فإذا خرج من هذه الدائرة المتميزة فينحدر إلى مستوى طبيعة الحيوان بحكم نفس المعيار الفطري ، وهذا ما لا يقبله إنسان عاقل.
تخطيط الإسلام للزواج المثالي
وبينما نرى النظام الإسلامي الشامل لجميع مرافق حياة الإنسان ، نراه ينظر إلى غريزة الإنسان في الجنس والشهوة ووسائل تحقيق رغباتها وطرق توظيف شهواتها وضبط تنظيم أسباب إثارتها ، على أساسين رئيسين هما : الأخذ في الاعتبار مستقبل الإنسان ومركزه العائلي والاجتماعي في حياته وكذلك رؤيته الواعية العاقلة . وبهاتين الميزتين يمتاز الإنسان عن الحيوان فإن كان هناك قاسم مشترك بين الإنسان والحيوان في وجود الغريزة الجنسية ، فهناك فاصل طبيعي بينهما في وسائل تحريكها وأسباب توظيفها ودوافع إشباعها .
وقد وضع الإسلام ضوابط وقوانين لتوظيف الإنسان المسلم لغريزة الجنس ، وللعاقلات الزوجية ولتكوين الحياة الأسرية . وفي مجال توظيف العلاقة الجنسية بين اللذكر والأنثى .
حرم الإسلام لى الذكر نساء الدنيا كلها إلا امرأة واحدة ةهي زوجته ، وجعل مجرد النظر إلى النساء الأجنبيات جريمة كبرى . وأما وسائل هذا التوظيف الإسلامي فهي تقرير الزواج بينهما بشروط وإجراءات معهودة في الشريعة الإسلامية . ومن الشروط اللازم توفرها لتحقيق زواج صالح مثالي من وجهة النظر الإسلامية والواقعية ، البلوغ والرشد والقدرة علا النفقة والقدرة على القيام بالحياة الأسرية وموافقة الطرفين وولى الأمر وحضور شاهدين ، وكل هذا ليكون الزواج عقدا ثابتا ومشهودا ومعروفا ومدخلا لحياة مستقرة نظيفة سليمة .
الرباط المقدس بين الزوجين
ويبدو من الحرص الدقيق الذي منحه الإسلام للزواج من مواصفات وشروط وآداب أن الإسلام يعتبر الزواج رباطا مقدسا بين الزوج وزوجته وهو الدافع إلى تنظيم العلاقات الزوجية بما فيها العلاقة الجنسية بهذا الحرص البالغ وعلى هذا الحرص يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : “لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهدا إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ” . وفحوى هذا الحديث مدى ضرورة طاعة الزوجة للزوج وضرورة وجود وفاق ووئام كاملين وتفاهم تام في كل الأمور في الحياة الزوجية ، ولا مكان فيها للفوضى والانحلال والإباحية والخيانة الزوجية حتى أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل للزوجة أن تعبد الله في مجال الصوم إلا بإذنه وهذا تأكيد صريح على ضرورة احترام العلاقة المقدسة بين الزوجين وأين هذا النظام المقدس والنظيف المثالي من التقاليد الغربية والفوضى الحيوانية التي يمارسها بعض المنتمين إلى الإسلام باسم الحرية الجوفاء والمدنية العرجاء ، وهي التي أدخلت النشوز والدمار والخراب إلى بيت الزوجية وامتلأت المحاكم بقضايا الطاعة الزوجية والنفقات وتوغل وباء الطلاق وفوضى تعدد الزوجات إلى المجتمع الإسلامي بدون لجام ولا نظام ، حتى أصبح أضحوكة العالم ولو كان ذلك العالم بنفسه أضحوكة أما الحق والشرف والكرامة .
غاية الزواج العليا
إن الغاية العليا والهدف المنشود والغرض النبيل من الزواج في النظام الإسلامي من جانب تقرير وتوظيف الغريزة الفطرية ونتظيمها وجعلها وسيلة للراحة النفسية والطمأنينة الروحية إنما هي وسيلة لتعمير الحياة على الأرض واستمرار خلافة الإنسان لله تعالى في أرضه ، في جو من السكون والمودة وبابتغاء مرضاة الله واستذكار نعمته وهو في النهاية أية من أيات رب العالمين : “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ..” .