الخليج اليوم – قضايا انسانية -24/9/1985
إن السلام العالمي في نظر الإسلام عبارة عن نظرية إنسانية متكاملة ، وبعبارة أخرى ، احترام النوع الإنساني معاديا كان أو مناصرا ، ضعيفا أو قويا ،، متحضرا كان أو بدويا ، أبيض كان أو أسود ، إن هذه النظرية الإنسانية المتكاملة تنظر إلى العلاقة بين الإنسان والإنسان على أن بينهما صلة ونسبا ، مهما اختلفت الأجناس والألوان والأصقاع ، وأن هذا النسب هو “الإنسانية” .
نظرية العداء والسلام الحقيقي ..
ولا تعتبر النظرية الإنسانية المتكاملة التي يصورها الإسلام ، العداء الذي يقوم حينا فآخر بين شخص وشخص ، أو بين مجموعة وأخرى أو بين دولة وأخرى ، عداء طبيعي وإنما هو عداء طارئ بسبب اختلافات تحدث في وجهات النظر تجاه بعض المسائل والمصالح الخاصة .
إن كلمة “السلام” أصبحت اليوم كلمة يتنازع عليها العالم كله ، ويعتمد كل دولة من الدول أو كتلة من الكتل الكبرى في الدعاية ضد الأخرى فهي الباغية والمعتدية على السلام العالمي ،، والناس في تفكيرهم الخاص العاجل ، ينقسمون إلى قسمين ، قسم يشايع إحدى الكتلتين في فهم معنى السلام ويقول البعض إن السلام يتحقق بدفع خطر نشوب الحروب في أي مكان في العالم ، بينما يقول الآخر إن السلام يتطلب الحرب من أجل إقرار السلام في العالم ونشر الأمن والطمأنينة فيه .
اختلاف وجهات النظر في فهم السلام …
وإذا نظرنا يعين التحقيق والإنصاف نجد أن كلا من الكتل المتنازعة يريد بلفظة “السلام” حماية مصالحها الخاصة ومطامعها الذاتية ، وليس هناك شك في أن كلا منهما يفهم السلام على أنه الدفاع عن مصالحها ومستقبلها ، بقطع النظر عن أية اعتبارات تخص الآخرين . هذا هو السلام في ذهن المجتمع الدولي الذي يعيش في عالمنا الحاضر . وفي القرن العشرين – ولا يتحقق به السلم العالمي الحقيقي في الجنس البشري على وجه الأرض قاطبة ، بل يؤدي هذا الفهم وذاك الإقدام إلى دمار وفناء ، ويملأ الأرض هلاكا وفتكا وينشر في البر والبحر فتنة وفسادا .
في نظر الإسلام …
وإذا رجعنا البصر كرتين إلى تاريخ الزمن الذي تسلم فيه مقاليد الحكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وإلى أساس نظريتهم في معنى السلام الحقيقي ، لما غاب عن الأذهان ذلك الفهم الدقيق الواقع لمعناه الصحيح ، فلو تحقق السلام في العالم بالمعنى الذي يريد الإسلام بهذه الكلمة ، لساد بدون شك سلام واقعي كامل في البشرية كلها .
والوطن في نظرة الإسلام هو الأسرة الصغيرة لنوع الإنساني والعالم هو الأسرة الكبيرة للبشرية جمعاء ، ولا ترضى هذه النظرية بأن يكون في الأسرة – صغير كانت أو كبيرة – جاهل إلا ويأخذ بيده الفرد العالم ليوصله إلى ميدان العلم والثقافة ، أو فقير إلا ويأخذ الفرد الغني بيده إلى شاطئ الأمان فيكون المجتمع الذي يتكون من مثل هؤلاء الأفراد مجتمعا حري بالتقدم والرقي والرخاء ، ويسود فيه الأمن والوئام ، وينتفي منه الجمود والبطالة والخمول ، وتستمر فيه حركة التقدم والنمو ، في جميع مرافق المياه في سلام وأمان .
الإسلام “رحمة للعالمين” ..
يصف القرآن الحكيم بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : “وماا أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” إن العالم اليوم قائم على فوهة البركان ، وزاخر بالتقلبات ، ومليئ بالأفكار ، وحائر بين أطماع الدول الاستعمارية ، كل هذا وذاك لا طلبا لكمال إنساني ، ولا تحقيقا للخوة إنسانية ولا لإقامة عدالة اجتماعية ، بل لسيادة صفوف من الناس ، ولاستغلال الآخرين ، وتنفق ثروات هائلة وتوجه طاقات علمية وتكنولوجية باهظة في سبيل اختراع الأسلحة الفتاكة ، ليبلو بعضهم بعضا أيهم أشد فتكا للملايين من البشر في أقرب فرصة ؟؟ وأيهم أحس تدميلاا للعالم الإنساني مع حضاراته ومدنياته ؟؟ ففتمنح الأوسمة الفخرية ، والرتب السامية للذين كانوا أشد فتكا للملايين الأبرياء والضعفاء ، وأبعد عن الإنسانية في ساحات القتال ، وأجهل للمبادئ الحربية السليمة ؟؟ إن هذا الشيئ عجاب !! ..
إن العالم الإنساني اليوم ينتظر بفارغ الصبر ، وينظر شاخصا بصره إلى منقذ ينقذه من هذه الحرية ، وهذا التوتر الدولي ، وإذا نظرنا في صفحات التاريخ نجد أن هذا الوضع ليس ببدع في تاريخ البشرية فأحسن وأقرب مثل لحريته الأخرى التي تشبه للحرية الحاضرة ، هوما كان يشهده العالم الإنساني وقت بعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بشريعة إلهية وبدستور خالد عام صالح لكل أمكنة وأزمنة ، ورحمة للعالمين جميعا ، فخلص به ذلك العالم الحائر المضطرب من مخالب الحرب والدمار والاستعمار والاستعباد ، وأخرجه من ظلمات الجهل والخرافات إلى نور العلم والصلاح . وخلق بفضل ذلك الدستور السماوي خلال بضع سنين من الأمة المتخالفة المتخاذلة المتحاربة لأتفه الأسباب أمة متحضرة مثقفة متحابة متحدة ، أسوة خالدة في مبادئ الأخوة الإنسانية والمثل العليا ، فلعل التاريخ يفيد نفسه !!!…