في رحاب رمضان المبارك
الصيام …وسيلة حازمة لتربية الإرادة ..
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 19-مايو-1986 م
إن الشخص الذي يمارس في نفسه التحكم على رغباته والتغلب على ملذاته المباحة سوف يستطيع التغلب على الملذات المحظورة والتحكم على نزواته الأثمة فالذي يتعهد نفسه بالامتناع عن الأكل والشرب الحلال بمحض اختياره وطاعته بدون قسر أو إكراه يستطيع بالتالي الامتناع عن المحرمات والمحظورات من المأكل والمشرب بسهولة واختيار فالذي يستطيع الصبر على الجوع والعطش والمشقة من الحر أو الحرمان من عاداته الروتينية اليومية بحرية الإرادة واختيار الرغبة يستطيع الصبر عليه حين يضطر إلى ذلك بيسر واقتناع بدون الإحساس بالآلام والحرمان لأنه عود نفسه على ذلك مختارا ومطاعا فصار الصيام في حقه كابحا لحماح غرائزه ومدربا لإرادته بحيث يأخذ ما يشاء باختيار ويدع ما يشاء باختيار وهكذا صار رمضان شهر التدريب على الرجولة المستعلنة التي تكبح جماح غرائز الإنسان إلى مستوى الشعور بالحرية وإرادة التفكير والتنفيذ وقوة الروح ونزاهة النفس وتجريدها عن أوضاع المادة وتحليقها في آفاق الروح والخير والعزة والكرامة .
المجاهرة بالإفطار جهل وضعف
إذا كان الإنسان قوي الإرادة وله شعور بآداب الاجتماع وأخلاق الكرامة الإنسانية فلا بد له من احترام مشاعر الآخرين ومظاهر عواطف بني آدن الذين هو جزء من هذا الأصل الأصيل وأما الذي يستسيغ لنفسه أن يجاهر بالإفطار في رمضان غير متحرج ولا متأثم وبلا مبالاة ولا خجل ، فإنما هو فاقد التربية وناقص الإرادة وضعيف الهمة وجاهد بآداب المجتمع المترفع عن رذائل الأخلاق والمنطلق في مصاف المجتمعات المهذبة والمتأصلة بالعادات والثقافات النبيلة البعيدة عن الفوضى والهمجية الأخلاقية ، وجاء رمضان قوة دافعة إلى تحصيل القوة الذاتية للشخصية الإسلامية المؤمنة وتحصيل المعارف والعلوم التي تنير الطريق أمام الأمة الإسلامية لتكون خير أمة أخرجت للناس كما أرادها الله تعالى ، وكما تتفق مع مبادئ دستور حياتها تنطبق مع أهداف وجودها في الكون .
الصيام يربي الروح الجماعية
إن الصيام في رمضان يدرب الإنسان على تربية الروح الجماعية لأن الناس يجوعون فيه جوعا واحدا ويعطشون عطشا واحدا ثم يشبعون شبعا واحدا وذلك بمعنى الامتناع عن الطعام والشراب في نظام واحد وفي وقت واحد أي من الفجر إلى غروب الشمس ومن حيث تناول الإفطار والسحور أيضا يشتركون جميعا في نظام واحد فيحس الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرؤساء والعلماء والعمال والصناع فكلهم يشتركون في هذه الآداب الرمضانية بنية واحدة وبنظام واحد من النية والأدعية والأذكار فهل هناك عملية جماعية مشتركة بني أفراد المجتمع الواحد من حيث الجوع والعطش والحرمان من الملذات وتحمل المشقات وإخلاص النيات مثل الصيام في شهر رمضان فكان حقا مجالا عمليا وجليا لتنمية الروح الجماعية بين المجتمع الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها .
ومن ناحية أخرى فإن هذه العملية المشتركة في التدريب الروحي والنفسي والأخلاقي يتساوي فيها الكبار والصغار والرجال والنساء والأقوياء والضعفاء والشباب والشيوخ فيعتبر الصيام في رمضان فرض عملي لتوثيق الرابطة الإسلامية الرحيمة بمعنى أن هذه العلمية المشتركة تبعث في القلوب الرحمة ومن الرحمة تنبعث العدالة والمودة المتبادلة فما أجمل الحياة حينما تكون إحساسا مشتركا وعملا مشتركا وتعاونا قلبيا ففي هذه الحالة تسود الطمأنينة والمساواة بين أفراد المجتمع ويسير ذلك المجتمع بخطوات ثابتة إلى الأمام وكفى لرمضان عزة وافتخارا أنه شهر التدريب الجماعي لأمة الإسلام وشهر التربية العملية للإرادة وهو ينعم المفطرون بهذه النفحات الربانية والعطاءات الإلهية .
الانهزام في النفس انهزام في الكفاح
إن الذين ينهزمون في أنفسهم سينهزمون في ميدان النضال والكفاح ، والذين تحملوا ضراوة الجوع وحر الصيف وشدة العطش يثبتون رجولتهم وإرادتهم وعلى أيديهم سينتصر الشعب والوطن لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رمضان استعد له بأمور إيجابية ذات أهمية بالغة في تفكير الإنسان العادي ولا الأكل والشرب ولا بالزينة في الأماكن والمساجد إلا نادرا بل كان استعداده الكامل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء .
فإذا هو عبد طائع مع الله وبار وجواد ومن هنا قد وصفه أصحابه بأنه كان في رمضان أجود من الريح المرسلة ، وكذلك كان أصحابه والسلف الصالح من بعده يتصفون وكان رمضان عندهم موسما تطير فيه أفئدة المسلمين إلى سماء الحق وترتفع فيه رؤوسهم على رؤوس الظالمين والمفسدين وتتزود نفوسهم من الشجاعة والعزيمة والرفعة ما تكفيهم السنة كلها ، ومن هنا نفهم حكمة الحديث النبوي :”إنما الصوم جنة أي وقاية من كل وهن وضعف ومرض وهزيمة .