العالم الإسلامي والتحدي العقدي (2)
الهيمنة على عالم العرب والمسلمين عسكريا واقتصاديا بإدخال الوهن
في نفوسهم فكريا وسياسيا
الشرق الثلاثاء 8-سبتمبر-1987م
لقد اشتدت حاجة الغرب إلى التشكيك في أحقية الحضارة الإسلامية وتشويه سمعتها لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقائد وكت وتقاليد موروثة وإدخال الوهن إلى نفوس المسلمين أيضا ، لتسهل الهيمنة على العالم العربي والإسلامي فكريا وسياسيا فعسكريا واقتصاديا ، ويتحقق ذلك الهدف المنشود بإدخال الشعور بالنقص والضعف في نفوسهم .
التغريب في زي التعريب
وأما بداية التحدي العقدي والغزو الفكري فلا يمكن تحديد تاريخه بالضبط – حسب ما وصل إليه علمي – في ضوء المراجع الأصلية والوثائق التاريخية ، ولكن نستطيع أن نؤكد من خلال ما نعرف من ملابسات بدء اتصال العرب المسلمين بالغرب اتصالا مباشرا ثقافيا إبان عظمتهم في الأندلس حيث كان الإسلام الخصم الوحيد للمسيحية في نظر الغرب وخاصة بعد أن رأوا الحضارة الإسلامية قد زعزعت أسس العقيدة السائدة عندهم وبدأت اللغة العربية والثقافة العربية والعلوم الإسلامية تنتشر في أنحاء أوربا وأخذت الجماعات الغربية تعتبر كتب العرب المراجع الأصلية للدراسة والبحوث .
وجدير بالذكر في هذه المناسبة أن ثلاثة من مشاهير رهبان الغرب وهم : الراهب الفرنسي (جرجرت) الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999م ، والراهب المعروف (جراردي كريمن) والراهب المشهور باسم (بطرس المحترم) قد تعلموا في معاهد الأندلس وبعد عودتهم إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم فيها وأسسوا كذلك معاهد للدراسات العربية ، ومنها مدرسة (بادوي) العربية المعروفة ، وترجمت عدة مؤلفات عربية إلى اللاتينية .
واستمرت هذه الحالة حتى القرن الثامن عشر الميلادي حيث بدأ الغرب في استعمار العالم العربي والإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته فانبرى عدد من رهبان الغرب ومفكريهم وعلمائهم متشجعين بالدوافع الدينية والسياسية للطعن في الإسلام وتشويه محاسنه وتحريف حقائقه ليثبتوا افتراء وبهتانا لجماهيرهم – الذين كانوا مبهورين بحضارة الإسلام ومثله الإنسانية ونهضته العلمية والفكرية – أن الإسلام لا ينبغي أن ينتشر في بلادهم وأنه يحرمهم عن الملذات الدنيوية ويبعدهم عن عاداتهم وتقاليدهم المتوارثة ، ثم اشتدت حاجة الغرب إلى الغزو العقدي والفكري بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية التي كانت حروبا دينية واستعمارية في وقت واحد فاتجهوا إلى دراسة مواطن القوة في العرب والمسلمين ليضعفوهم فيها ، ومواطن الضعف فيغتنموها لإضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوسهم ، وبث الوهن والارتباك في تفكيرهم ، ومن هنا بدأت فكرة الاستشراق والمستشرقين .
دور المستشرقين في التحدي العقدي
إن الاستشراق اليوم علم قائم بذاته يدرس في الجامعات الكبرى في العالم ، ويقوم به الأساتذة المتخصصون في تدريس العلوم الشرقية وترجمة المؤلفات الشرقية والمستشرق هو الغربي الذي يقوم بدراسة العلوم والآداب واللغات الشرقية ولا يعرف بالضبط من هو أول غربي عني بالدراسات الشرقية ، ولا في أي زمن كان ذلك ، ولكن رأينا من البيان السابق أن بعض الرهبان الغربيين قد ذهبوا إلى الأندلس في عهد حكم المسلمين فيها ، ودرسوا اللغة العربية وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم .
وبعد التوسع الاستعماري الغربي في الشرق بدأ المستشرقون دراسة جميع ديانات الشرق وعاداته ولغاته وحضاراته مع عناية خاصة بالإسلام واللغة العربية نظرا للدوافع الدينية والسياسية ، وعقد أول مؤتمر عام للمستشرقين في باريس عام 1973م ثم توالي عقد مثل هذه المؤتمرات بتوسع واهتمام في شتى بلاد الغرب .
وهناك مراكز وأقسام عديدة مستقلة للدراسات الشرقية في الجامعات العلمية في الغرب كله ، وإن في القارة الأمريكية وحدها حوالي تسعة آلاف مركز للبحوث والدراسات الشرقية عامة ومنها حوالي خمسين مركزا مختصا بالعالم الإسلامي ، وأن مهمة هذه المراكز هي تتبع كل ما يجري في العالم الإسلامي ثم دراسته وتحليله مقارنا بأصوله العقدية ومنابعه التاريخية ثم مناقشته مع صانعي القرار السياسي .
وفي ضوء تلك الدراسة الدقيقة توضع الخطط وتحدد الاستراتيجيات ووسائل تنفيذها في تلك المنطقة من العالم .
دوافع الاستشراق والمستشرقين
وفي مقدمة دوافع الاستشراق والمستشرقين الدافع الديني التبشيري الذي يهدف إلى التشكيك في أحقية العقيدة الإسلامية ومصادرها الأصلية من القرآن والسنة ، لإدخال الوهن إلى قلوب المسلمين ولتشويه سمعة الإسلام في نفوس المثقفين ، وبالتالي حماية العالم الغربي المسيحي من خطر وإخفاء حقائقه عن الناس والحط من قيمته وقدر نبيه وتحذيرهم من خطر الاستسلام لدعوة الإسلام ونظامه .
ومن الوسائل التي يتخذها المستشرقون لتحقيق أهدافهم :-
1 – تأليف الكتب والمراجع والموسوعات العلمية في موضوعات مختلفة عن الإسلام ونظمه مع التحريف الخفي والتزييف المتعمد في الوقائع التاريخية وفي نقل النصوص من القرآن والسنة ، وبيان سيرة الرسول .
2 – إصدار النشرات الدورية والمجلات العلمية الخاصة ببحوثهم عن الإسلام والمسلمين .
3 – إلقاء المحاضرات والخطب في الجمعيات العلمية وفي الجامعات في كل مكان ، ونشر مقالات وبحوث في الصحف والمجلات واسعة الانتشار وخاصة في أوساط المثقفين .
4 – ترجمة كتبهم وموسوعاتهم ومراجعهم إلى اللغة العربية بطرق شتى .
– وفي العدد القادم قصة لأخطر كتاب في التحدي العقدي .
(يتبع)