الخليج اليوم – قضايا انسانية –
الإسلام يعلم الإنسانية أن العظمة الحقيقية ، ليست في المال الكثير ولا في السلطة والقيادة ولكنها في خدمة البشر وفي عمل الخير للناس والتضحية في سبيل تحقيق أهداف نبيلة ، وغايات مثلى لأن الذي يهب نفسه وجهده وطاقاته وأوقاته لهدف رفيع وغرض نبيل ، سينال المثوبة عند ربه وحسن الذكر عند خلقه ويسجل اسمه في سجل الخالدين .
وإذا عرف الإنسان بثاقب فكره وسليم عقله ، إن الإنسان روح ومادة ، وأن المادة ستفني وتصير ترابا كما خلقت منه لأول مرة ، وأما الروح فستبقى وتعود إلى باريها “قل الروح من أمر ربي” – فيعلم علم اليقين أن هذه الحياة التي هي مزرعة الآخرة ، لا ينبغي أن تصرف كلها أو جلها في سبيل التكالب على حطامها ، والتكاثر من ركامها ، والتنافس في اقتناء شظاياها المتناثرة هنا وهناك ، لتكون عليه وبالا في النهاية ونكالا في يوم الحساب ، الذي يسأل عن كل قطمير من النعم التي كانت في حوزته خلال حياته ، “لتسألن يومئذ عن النعيم” .
العمل للمثل العليا
إن الإسلام يعني أولا وقبل كل شيئ ، أن يرسخ في أبنائه ومعتنقيه الإخلاص في القول والعمل ، بل وفي كل حركة وسكنة في حياتهم ، ثم يعني أن يربي فيهم روح الشجاعة والتضحية في سبيل تحقيق حياة شريفة وطيبة ، ويحث كل من يستظل بظله الوارف ، على أن يكون شعاره دائما نصرة الحق ، وخدمة الخلق ، وعبادة الخالق ، ولا يعرف الهوان والضعف سبيلا إلى كيانه ، ولا يستكين لعقاب تعترضه أو صعاب يلقاها في سبيل التمسك بحياة شريفة ، مرفوع الهامة وموفور الكرامة ، مطمئن النفس ، طيب القلب ، راضي الضمير ، “ألا بذكر الله تطمئن القلوب ” .
العظمة والشجاعة
إن كل من يسعى إلى تحقيق عظائم الأمور في الحياة يحتاج إلى روح الشجاعة ، بدون تهور ولا طيش ، لأن الشجاعة التي يعنيها الإسلام ويتطلبها العمل من أجل الأهداف النبيلة هي الشجاعة القائمة على المبادئ والإخلاص والصبر والمواظبة والعمل بمثابرة وصدق نية .
وإن حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وصجبه الكرام الذي تربوا وتدربوا في المدرسة المحمدية المهنية (!) قدوة حسنة وأسوة حية لشباب الإسلام ، في كل زمان ومكان ، إن تعاليم الإسلام قد خلقت من الأمة العربية الأمية المتنافرة والمتحاربة لأتفه الأسباب ، والمتعبدة للحجر والشجر والأصنام ، والوائدة لفلذات أكبادها تحت التراب حية خوفا للعار المزعوم ، أو الرزق الموعود ، وخلقت منها خلال فترة وجيزة – بفضل قوانينها الأخلاقية وتعاليمها الفطرية ، أمة أسوة لسائر الأمم ، وبعيدة عن الخرافات والرجعية الفكرية والانمطاط الخلقي ، وخضعت لهذه الأمة القياصرة والأكاسرة ، وأصبحت نموذجا للتضحيات التي تخشع من هولها الراسيات في سبيل عظائم الأعمال وجلائلها .
ويقول الشاعر المفكر محمد إقبال مخاطبا المسلم :
“أيها المسلم تعلم دروس الصداقة والعدالة والشجاعة ثم خذ زعامة العالم وإمامته ، أما كنت خليفة الله في أرضه ؟ ألست صاحب رسالة السلام في العالم ؟ فاقطع حديد الاستعباد والاستعمار إربا إربا ! ؟ .