الخليج اليوم – قضايا انسانية –25/11/1985
ورد في القرآن الكريم لفظ “العلم” ومشتقاته حوالي 570 (خمسمائة وسبعين) مرة . وهذا يؤكد اهتمام الإسلام بالعلم والعلماء ، وأن أول لحظة من لحظات بدء الوحي على الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جاء فضل العلم ووجوب تحصيله عن طريق القراءة والكتابة . وقال تعالى مخاطبا رسوله الكريم في أول آية نزلت عليه في أول سورة العلق : “اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ” .
وجوب القراءة
جاءت هذه الآية الأولى من الوحي تنص على وجوب القراءة بصيغة الأمر ، الموجة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، ثم تؤكد طريق العلم وتبرز القلم كأهم وأعمق وأوسع أدوات التعليم أثرا في حياة الإنسان . وتوجه هذه الآية الكريمة النظر إلى العلم الذي يعتبر من أدق العلوم وألصقها بالإنسان ألا وهو علم خلق الإنسان ، وبدء حياته ، وعلم الحياة بصفة عامة ، فإذا ما استجاب الإنسان لما دعا إليه في هذه الآية الأولى في الوحي المحمدي ، فقد قيأ نفسه لتقبل العلوم التي تشده إلى الإيمان بخالقه وقدرته وعظمته وبالتالي يتهيأ لتلقي الفيض الرباني ، الذي هز مصدر سعادته ونجاته في حياته الدنيا وحياته الأخرى .
طابع الإسلام هو العلم
وأن بدء الوحي بالدعوة إلى القراءة ، وتوجيه النظر إلى علم الحياة ، والتنويه بالقلم ، يدل دلاله واضحة وأكيدة على اهتمام الإسلام بالعلم والبحث والنظر وبكل ما هو يؤدي إلى المعرفة والهدية إلى الإيمان بالله معززا بالحقائق العلمية الثابتة ، وبالأدلة القاطعة ، بدون الالتجاء إلى التقليد الأعمى أو التوارث من الآباء والأجداد بلا دراية وقناعة . ولهذا يجعل القرآن العلم مقابلا للجهل الذي يؤدي إلى الكفر والضلال فيقول : “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولوا الألباب ” . وأما العلم فميزة من أهم ميزات المجتمع الإسلامي ، لا تفارق ولا تنفك عند ما دام يحمل اسم الإسلام الذي دستوره القرآن وإمامه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ومادام يتطلب مثله العليا لتحقيق حياة طيبة مطمئنة .
أحداث القرآن نهضة علمية
ولا يخفى على من يدرس تاريخ القرآن والرسالة المحمدية أن القرآن قد أحدث نهضة علمية شاملة لا يوجد لها مثيل في تاريخ العلوم والمضادات البشرية وهو الذي فجر من العلوم والمعارف والفنون ، ما كان رائد الإنسانية في مسيرتها الطويلة فتسارع المسلمون في ضوء توجيه القرآن وإرشاداته لاقتباس العلوم والمعارف والفنون من كل فج عميق ، ولتشييد حضارة شامخة بلغوا أوجها ونالوا عزها ، واعترف علماء الأمم عبر التاريخ بفضلها وميزتها .
وقال المؤرخ الفرنسي “سديو” في كتابه : “تاريخ العرب” كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون ، وقد نشروها أينما حلت أقدامهم ، وتسربت عنهم إلى أوروبا ، فكانوا سببا في نهضتها وارتقائها . ولم يكتف المسلمون بأن يكونوا معلمين للأوروبيين وملقنين لهم النهضة والمدنية ولكنهم أسسوا في بلادهم جامعات ، وأقاموا مراصد باعتبار أنها كانت تحت سلطانهم ، فبقيت لأهلها بعد جلائهم ، وأثمرت ثمرتها اليانعة … ” .
مالمراد “بالعلماء” في نص التراث ؟
جاء في قوله تعالى : “إنما يخشى الله من عباده العلماء” .
وقد أورد الله سبحانه وتعالى هذه الآية بعد لفت الأنظار ، إلى الكون ، الذي هو كتاب الله المختوم كما أن التراث هو كتاب الله المرقوم ، مع عجائبه الرائعة ، ومن الأجناس المختلفة والألوان المتنوعة والثمار المتشابهة والجبال الملونة الشعاب ، والناس والدواب والأنعام مع أصنافها وأنواعها وألوانها المتعددة الكثيرة . وكما أن هذا الكون العظيم لا يعقله إلا العلماء المتدبرون فيعرفون الله معرفة حقيقية بآثار صنعته ومظاهر قدرته وبدائع حكمته فيخشونه من أعماق رب العزة والجلال بعد أن ذكر أسرار الخلق ، وعلوم الكون في 20 آية (عشرين آية ) من سورة “فاطر” ، ودعا الناس للتفكير فيها والاتعاظ بها والانتفاع منها : “إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور” (فاطر: 18) فما المراد بالعلم والعلماء في مفهوم الإسلام ؟ وهل من مجيب ؟ .