الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 16-مارس-1986 م
إن عمارة الأرض هي إحدى غايات خلق الإنسان ومن أهداف خلافته في الأرض فيقول الرب تعالى : “هو الذي أنشأكم ن الأرض واستعمركم فيها ” (هود : 61) . ويقول أيضا : “وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ” (النور : 55) . وقد جعل الله سبحانه وتعالى – كما هو واضح من هذه الآية الكريمة – الإيمان أن العقيدة الصحيحة الراسخة والأعمال الصالحات ، من شروط أهلية الخلافة في الأرض ، وإذا افتقد قوم أحد هذين الشرطين الأساسيين فلا يكون ذلك القوم أهلا ومستحقا لتولى مهمة الخلافة في الأرض وعمارته وإصلاحها وتنميتها .
وجاء في القرآن في فضل العمل وارتباط نجاح كل فرد أو جماعة بمقدار قسطه من العمل عديد من الآيات المحكمات ومنها قوله تعالى : “ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ” (الأنعام : 32) . وقوله : “إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا” (الكهف : 30) . وقوله لذلك : “إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثى ” (آل عمران : 195) .
فضل الأعمال اليدوية
روى الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “كا داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده” . وأما الإمام مسلمفقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “كان زكريا عليه السلام نجارا” . وروى البخاري عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما أكل أحد طعاما قطر خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده” .
وإذا انتقلنا إلى الإرشادات النبوية الواردة في الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال ، فنرى أحاديث كثيرة بطرق عديدة ، ومنها ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل ، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه ” .
استحباب أخذ العطاء بدون تطلع إليه
وإذا نظرنا إلى مفاهيم التعاليم القرآنية والإرشادات النبوية يتبين لنا مدى ارتفاع الإسلام بمهمة كسب العيش بعمل اليد زنهية عادة التسول ومسألة الناس وقد حض القرآن المؤمنين على ابتغاء فضل الله ورزقه ونعمائه بالجهد والسعي وقال تعالى : “فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله” (الجمعة : 10) .
ولكن إذا جاءت لشخص هدية أو هبة أو أعطى مال أو عطاء بدون مسألة ولا تطلع إليه يجوز قبوله ولا ينبغي أن يرده بقصد التعفف أو الاستغناء عن مساعدة الآخرين لأن المنهي عنه هو السؤال والقعود عن العمل ليكون عالة على الناس .
لقد روى عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء ، فأقول : أعطه من هو أفقر مني إليه ، فقال : “خذه ، إذا جاءك من هذا المال شيئ ، وأنت غير مشفق ولا سائل ، فخذه فتموله فإن شئت كله ، وإن شئت تصدق به ، ومالا ، فلا تتبعه نفسك ” . فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهمالا يسأل أحدا شيئا ، ولا يرد شيئا أعطيه” (متفق عليه) .
الاعتماد على الذات
إن الاعتماد على الذات هو جوهر العقيدة الإسلامية لأن كل نفس بما كسبت رهينة ولا تزر زازرة وزر أخرى وقد بين القرآن هذه القضية الإسلامية بصورة أبلغ وأروع إذ قال : :وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ” ، وقال أيضا : “فمن عيمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” .
ومن هنا نرى مدى ربط الإسلام مسئولية الإنسان أمام عمله وكسبه وأنه قد رفع أيضا مرتبة العمل وأثره في مصير صاحبه بدون أي اعتبار خارجي لأن كل فرد مستقل بعمله وأنه مسؤول عنه أمام ضميره ونيته فقط ، ويدل هذا القانون الفطري والحكم الإلهي على أهمية الاعتماد على الذات في أعمال كل إنسان مؤمن ، لأنه هو المسؤول بنفسه عن ذاته ومصيره ، وقد ارتفع الإسلام بالعمل إلى مرتبة العبادة وعنوان الشرف والكرامة .