الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 3-نوفمبر -1986 م
إن المعيار الإسلامي الذي يوزن به عمل كل إنسان ويحدد به مصير الأمور ونتائج الأشياء إنما هو أمران أساسيان وهما في نفس الوقت مطابقان مع النواميس الفطرية والقوانين الكونية تطابقا عقليا وواقعيا وأولهما النية ، والدافع وثانيهما الأثر المترتب عليه عاجلا أو آجلا ، وقد استند هذا المعيار إلى عدة براهين وأدلة من التراث والسنة ومن وقائع التاريخ المضيئ ، ويكفينا إرشادا ونورا بإيجاز واختصار حديثان صحيحان وفيهما جوامع الكلم والقول الفصل في هذا الشأن فيقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” (متفق عليه) ، ويقول أيضا : “ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل” (متفق عليه) .
وتبين من الحديث الأول أن النية الدافعة من تحدد وتعين قيمة العمل وصحته واعتباره في ميزان الحق تعالى وفي محاسبته وترتب الثواب والعقاب عليه .
وأما الحديث الثاني فقدم بيانا وإيضاحا لقوله سبحانه وتعالى في صدد ذكر كيفية وطبيعة تدوين أعمال العباد وتسجيل حركات وسكنات كل مكلف بالغ عاقل في كتاب بلقاه منشور بواسطة كرام كاتبين : “ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيئ أحصيناه في كتاب مبين” (سورة يس ) ويتبين من هذه الآية الكريمة أن عمل الإنسان يسجل ويدون مع الأثر الذي يترتب على ذلك العمل والعواقب الناتجة منه فلما كان ابن آدم الأول وهو قابيل ، قد ارتكب قتل أخيه هابيل وصار أول عمل من نوعه في تاريخ بني آدم صار من أثره فتح باب القتل في البشر كأنما اعتبر كل قتل حدث أو يحدث في تاريخ الإنسانية منذ آدم إلى القيامة ، من أثر عمل قابيل فيعود جزء من إثم كل حادثة قتل يحدث ظلما إلى قابيل .
وبنفس المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا” (مسلم) . فأما النية والنتيجة تقرران قيمة أعمال الإنسان .
إذا شهر مسلم سلاحه على مسلم ؟
لقد صرح الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بكل جلاء بلا خفاء وبكل وضوح بلا غموض وبكل صدق وإخلاص بلا تورية ولا كناية : “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار” فقالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ” قال : “إنه كان حريصا على قتل صاحبه (متفق عليه) . وأن هذا الحديث لمن أصح الأحاديث ورواه الشيخان الإمام البخاري والإمام مسلم وأن عبارته واضحة وكلماته سهلة الفهم وميسورة الوعي ، ويجب على المسلمين في العصر الحاضر وفي كل عصر ، أن ينتبهوا بدون لف ودوران ، وبدون دهاء أجوف ومكر أخرق بل بعقل سليم وبإدراك قويم ، أن رفع السلاح بيد مسلم على وجه مسلم آخر وإشعال نار الاقتتال بين المسلمين ، مهما كانت الدوافع والبواعث والأسباب فإنما هو يجلب المصائب والعواقب الوخيمة لكلا الفريقين في الدنيا والآخرة ، وهذا حكم قاطع مفهوم في القرآن والسنة نصا وروحا ، وأن الحرص على قتل مسلم كقتله قعلا .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم هاديا ومرشدا : “من مر في شيئ من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيئ” (متفق عليه) . ويقول كذلك : “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” وأما اقتتال المسلمين فيما بينهم فحكمه كفر وجزاءه نار ، بنص قول من لا ينطق من الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، أليس فيه عبرة لأولي النهى ؟
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومنأحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” (المائدة : 32) .
من الهدي النبوي
قال النبي صلى الله عليه وسلم : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (متفق عليه) .
من الأدعية المأثورة
من الأدعية الواردة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم : “باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما حمظت له عبادك الصالحين” (متفق عليه) .