الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 1-ديسمبر-1985 م
إن القتال لم يشرع في الإسلام أبدا من أجل القتل والوحشية ، ولكنه شرع من أجل تحقيق مبدء إنساني عادل ، فإذا اعتدى على المسلمين عدو فعليهم أن يردوا ذلك العدوان بالعدل فقط وليس بالتجاوز والتفريط . وإذا خاض المسلمون في قتال ، على كره منهم ، ولكنه لرد العدوان ودفع الظلم وإحقاق الحق كما شرعه رب العالمين ، فيوقفونه في أول ومضة من بريق السلم وبوادره من المعتدين ، وإليه يشير القرآن الكريم : “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ” (الأنفال : 62) .
أخلاقيات القتال في النظام الإسلامي
لقد بين القرآن الكريم أسلوب القتال المشروع : “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين” . وتاريخ الإسلام في عصوره الذهبية كلها شاهد على أن المسلمين المؤمنين ما خاضوا من قتال من أجل العدوان أو ارتكاب اللوحشية أو الأعمال غير الإنسانية وإنما خاضوه لمجرد الدفاع عن النفس أو العرض أو حرية العقيدة لا لإكراه أحد على اختيار عقيدة أو شريعة . وأنهم كانو يعرفون جيدا أنه نقيض للمبادئ السامية التي قام عليها الإسلام بنص قوله تعالى ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” .
وأن التعاليم الإسلامية كلها تدعو الإنسانية للعودة إلى فطرتها التي فطر الله الناس عليه ، وهذه الفطرة قائمة على أصول الحرية والعداوة والمساواة ، والكرامة الإنسانية ، فكيف تسمح لاتباعها خرقها بأيديهم ؟ وأما إلصاق التهم الباطلة ، والأضاليل الفكرية والافتراءات الدنسة بمبادئه السامية وأخلاقياته اللنبيللة في ساحات القتال المشروع ، بسبب أخطاء بعض الجاهلين أو بتخاريف بعض المخرفين فإنما هو بهتان أخلاقي وظلم على الحق والتاريخ .
وأن القائد الأعلى للأمة الإسلامية ، والقدرة المثلى في شؤون حياة المسلمين جميعا وفي أمور دولتهم في كل زمان ومكان ، قد أوصى المقاتلين بكل صراحة ووضوح : “اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ولا تغلوا ولا تغدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا النساء والأطفال والشيوخ ” . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنع منعا باتا وقاطعا عن قتال المدنيين الآمنين وأعلن ذلك يوم الفتح الأكبر – فتح مكة – بأمره الشريف : “من أغلق بابه فهو آمن ” . وكان نهيه قاطع عن قتل النساء والأطفال والشيوخ والنساك والكهنة والرهبان والذين يتعبدون في صوامعهم وديرهم وكنائسهم .
جهل أتباعه وكذب أعدائه
وما كان الجهاد في اصطلاح الإسلام ، منحصرا على القتال فقط ، وإذا كان قتالا فهو يكون دفاعا عن النفس والمال والعرض وحرية العقيدة والعبادة ، وإذا خاض المسلم في القتال الدفاعي فهو ملزم إلزاما دقيقا بأخلاقيات فاضلة عظيمة ، ولا يسمح الإسلام للمسلمين لشن أي عدوان على غير المسلمين دون أي سبب ، ولا يجيز لهم مطلقا أن يناصبوا غيرهم عداء دون مبرر عادل ، وأن جهل أتباعه وطيشهم وتعصب مخالفيه وغيظهم ، وجعل الإسلام الحنيف عرضة للاتهامات الباطلة والافتراءات الزائفة .