الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 18-مارس-1987 م
إن الدراسة الصحيحة للمبادئ الإسلامية والإنجازات القويمة التي حققها النظام الإسلامي السليم في عصوره الأولى الزاهرة ، في العالم الإنساني تبين وتثبت بكل وضوح وجلاء من واقع التاريخ الذي سجله الحق ودونه العلماء من كل فج وقوم ومكان ، أن الإسلام والاستعمار أو النظام الإسلامي والنظام الاستعماري لا يجتمعان في مكان أو مجتمع وهما لا يتلاقيان في شعب أو قوم ، لأن النظام الإسلامي يهدف إلى تحقيق العدالة الكاملة والمساواة الإنسانية الفطرية والأخوة والمحبة والألفة بين جميع طبقات البشر بدون استغلال وبدون امتياز عنصري أو طبقي ، بينما يهدف نظام الاستعمار إلى استغلال القوي للضعيف واحتلال الغالب على المغلوب ، وامتصاص دماء الشعوب المحكومة ، ويستخدم في سبيل تحقيق هذه الأهداف المذمومة كل الوسائل المعوجة وجميع الطرق الكاذبة ، نفاقا ومكرا وزورا وبهتانا ، وهذا النظام يناقض كل التناقض مع النظام الإسلامي القائم على الحق المطلق والمساواة التامة والإخلاص القلبي وصدق النية في كل حركات الإنسان وتصرفاته وهو يعلم ويدعو الناس جميعا إلى القضاء على كل أنواع التفرقة العنصرية على أي أساس من اللون أو الجنس أو القومية أو الإقليمية ، ويحارب الظلم والاستبداد والاستغلال بأي شكل كان أو صورة فقد أعلن : “الناس سواسية كأسنان المشط” ، وأعلن كذلك :”لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى” ، ثم أعلن بكل صراحة ووضوح : “وكلكم من آدم وآدم من تراب” .
فلا يمكن أن يتصور وجود النظرة الطبقية أو السياسية العنصرية أو الأنظمة الاستعمارية أو الاستغلالية في ظل هذا النظام العادل السليم ، وإذا تمكن هذا النظام في أي مجتمع أو بلد او عصر فلا يجد الاستعمار مجالا ليعيش فيه أو منفذا يتسرب منه أو موضع قدم يقف فيه لأنهما متناقضان ومتنافران من كل الوجوه ومن كل الأشكال ، ولهذه الحقيقة المرة قد أدرك الاستعمار – غريبا أو شرقيا ، حديثا أو قديما ، خفيا أو جليا – أن السبيل الوحيد لبقاء الاستعمار في العالم بصفة عامة إنما هو ضد المد الإسلامي وعرقلة انتشار مبادئه وتعاليمه بين البشر ، ووضع حد لوصول تلك المبادئ والتعاليم إن أذهان الناس وخاصة أولئك الذين يعانون من هوان النظام الاستعماري ويقاسون معاناة التمييز العنصري ويكابدون مظالم الطبقية والطائفية والعبودية .
وذلك لأن التنور بنور الإسلام والاستضاءة به يفتح الأذهان وينبه العقول ويحذر الشعوب ويحرك المشاعر ويبين للمستضعفين طريق الخلاص والنجاة من أغلال الوصاية الاستعمارية ومن مظالم الأوضاع الاستغلالية ومن مكائد الممتصين لدمائهم والمختطفين لثرواتهم والمستذلين لكرامتهم الإنسانية والضاحكين على ذقونهم والمستغلين لعقولهم بشتى أصناف المكر والخداع والخيانة والمداهنة .
ومن هذا المنطق أطلق الاستعمار جحافل المستشرقين وعلماء الغرب من الصهاينة والمسيحيين للعلم وبكل جد واجتهاد ، وبكل طرق ووسائل ، لداراسة الإسلام وما يتصل به أولا ثم تخطيط المشروعات والبرامج اللازمة النافذة لعرقلة الغزو الفكري والتشويه العقيدي والتزييف التاريخي ، بطرق مدروسة وعميقة ودقيقة ، ولهذه الأسباب الثابتة الماثلة أمام كل ذي عينين نرى الاستعمار يلعب دورا ملموسا وممدودا بكل الطرق والوسائل والمكائد والحيل ، لمحاربة المد الإسلامي في آفاق الدنيا ، ولبحث نقاط الضعف في النظام الإسلامي وإبراز بعض الشبهات الزائفة التي أثارها عملاء الاستعمار أو جهلاء تالحق ودهماء الباطل .