الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 13-يوليو-1986 م
لقد رأينا في الحديث السابق في هذا المكان تعريف البدعة المنكرة في ضوء القرآن والسنة ، وبعض الآيات والأحاديث الصحيحة المحذرة نم إحداث البدع والعمل بها ، وينبغي أن نعي جيدا من ذلك البيان أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل دينه لعباده وأتم عليهم النعمة بنص القرآن : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” .
وأما الرسول الأكبر صلى الله عليه وسلم فقد بلغ هذه الرسالة بلاغا مبينا ولم يترك طريقا يوصل إلى عبادة الله تعالى إلا بينه للأمة بينا تاما وكاملا ، وجاء في حديث رواه الإمام مسلم رضي الله عنه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “وما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم سر ما يعلمه لهم (مسلم) .
ومن المعلوم عقلا وشرعا أن خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه سلم هو أفضل الأنبياء وأكملهم بلاغا ونصحا ، فحدث شيئ من المحدثات في حياة المسلمين باسم الدين ولم يلبث ذلك في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، أنه ليس من الإسلام في شيئ بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته .
تحذير شديد من إحداث البدع في العبادات
وكفى المؤمنين تحذيرا عن الوقوع في محدثات الأمور في الشؤون الدينية وخطورتها على العقيدة الصحيحة والمبادئ الإسلامية النقية أن فيه إيهام بأن الله تعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة والرسول عليه الصلاة السلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في أمور الدين والعبادة أشياء تقربهم إلى الله وتوصلهم إلى الجنة ، ولا شك في أن هذا الفعل والظن بصحته اعتراض على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله الأمين مع أن العقلاء متفقون على أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وكذلك التابعون لهم في خير القرون ، أعلم الناس بالسنة وأكملهم حب لله وللرسول وتمسكا ومتابعة لشرع الله فكيف يتركون شيئا من المطلوب في الدين إلا اتبعوه وبلغوه الناس ؟
وجاء في حديث صحيح آخر : “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بعا وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” . ولا ينبغي للمؤمن العاقل أن يغتر بشيوع بدعة في بعض البلاد وسكوت العلماء عنها بكثرة من يفعلها من الناس المعروفين بالتدين والإخلاص لأن الحق معناه الكتاب والسنة ولا كثرة الفاعلين لأن الإسلام دين الحجة البيضاء وليس دين التقاليد العمياء أو القيل والقال والهروب وراء الرهبانية واتباع الآباء وأساطير الأولين بدون الرجوع إلى الأدلة الشرعية كما قال تعالى : “وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون” (الأنعام : 116) ، ومن العجيب والمدهش لعقول المنصفين من المسلمين وغير المسلمين أن بعض الناس ينشطون ويجتهدون في العمل ببعض البدع والخرافات المعروفة والدفاع عنها ، بينما يتخلفون عما أوجب الله عليهم من الفرائض والواجبات وهذا النوع من البدع والمبتدعين خطر عظيم في المجتمع الإسلامي ووصمة عار على جبين الأمة الإسلامية لأن أعداء الإسلام والمسلمين يتخذون هؤلاء وأفعالهم نماذج لتشابه الإسلام مع الديانات والمذاهب الأخرى التي انتشرت فيها الخرافات والخزعبلات والعادات والتقاليد البالية مثل إقامة المهرجانات والاحتفالات الصاخبة أمام معابدهم وقبور زعمائهم الدينيين وغير الدينيين وتصحبهما الأغاني والطبول والدفوف وغيرها من الملاهي والمنكرات من اختلاء الرجال والنساء والسهرات على اللهو واللعب وتتخللها التسمح بالقبور وطلب المدد والغفران من أصحابها ، فعندما يرى شخص لا يعرف حقيقة الدين الإسلامي ، هذا التشابه في مثل هذه الاحتفالات التقليدية بصبغة دينية بينما تقام باسك الموالد والعرس والنذور وغيرها بجوار مساجد المسلمين وعند قبورهم وبين ما تقام في الكنائس والمعابد والصوامع الهندوسية والبوذية والمسيحية وغيرها يظن أن الإسلام أيضا مثل الديانات الأخرى مليئ بالعادات والتقاليد والمراسم والطقوس البالية فبعضها بعيد عن العقل السليم وآخر لا يتفق مع الفطرة الإنسانية القومية أو يقع في حيرة حول ما يسمع ويقرأ من نزاهة الدين الإسلامي عن الخرافات والخزعابلات ومطابقته التامة للعقل والعلم والفطرة السليمة وتعاليمه الحقة ومبادئه القومية القائمة على التوحيد الخالص والصراط المستقيم ، وحول ما يراه ويسمع من البدع والخرافات والطقوس البالية في المجتمعات المنتمية إلى الإسلام .
علاج البدع والخرافات
لا شك في أن البدعة في الدين تمثل تحديا واضحا أمام عقيدة التوحيد ، ونزاهة الإسلام من الأوهام والخرافات ولكن يجب على القائمين بمواجهة هذا الخطر ، وهذا التحدي ، أن يعالجوها بأسلوب إسلامي صحيح وبمنهج محمدي سليم يعتمد على الموعظة الحسنة وبالأخوة والمودة والمناصحة والحجة والإقناع بدون شدة ومكابرة وخصومة لأن الموضوع الصالح العام ، وخدمة الإسلام ، وإنقاذ الإخوان عن الضلال ومهما كان الأمر فإنهم إخوان اغتروا وضلوا أو جهلوا افتتنوا وأما الدين فهو ،”النصيحة” وليس “القطيعة” وإلى شيئ من أساليب المعالجة في العدد القادم إن شاء الله .