الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 14-يوليو-1986 م
تحدثنا في المقالين السابقين عن تعريف البدعة ونشأتها وخطورتها ومخالفتها الصريحة للقرآن والسنة وأشرنا إلى بعض الأساليب الإسلامية السليمة لمحاربتها طبقا للمنهج المحمدي الذي سار عليه الصحابة والتابعون والسلف الصالح ، كما أشرنا إلى دور البدع والخرافات المستحدثة بين المسلمين في العصور المتأخرة بكثرة التساهل في اتباع الأسوة النبوية بالدقة والابتعاد عن التعاليم الإسلامية الصحيحة وجهالها أو تجاهلها ، في تشويه صورة الإسلام الحقة الفطرية ، وعقيدة الوحيد الخالص ، وخلط هيئات العبادات والآداب الإسلامية القويمة النزيهة عن الأوهام والخرافات والخزعبلات مع العادات والتقاليد البالية والطقوس الأسطورية لبعض أهل الديانات والطوائف الأخرى ، وكذلك مغبة تسرب مظاهر تلك البدع والخرافات إلى أماكن العبادة للمسلمين ومساجدهم وجوامعهم وأضرحتهم حتى صارت مسرحا للطقوس والملاهي والمزامير والطبول ، حيث فقدت ساحاتها ملامح الخشوع والوقار والتضرع والعبادة الحالصة والقراء والأذكار ، وتحولت إلى ساحات المهرجانات وسرادقات اللهو واللعب والفسق والفجور ، والرقص والسهر والسمر ، مع صبغة دينية تخريفا وتحريفا وزيفا وبهتانا ، وقد زاد الطين لة أن بعض الجماعات الإسلامية وعلى رأسها بعض العلماء الرسميين يشرف على تلك المهرجانات والاحتفالات المقامة باسم الموالد أو الذكريات أو المناسبات الدينية الفلانية وأن تأييد العلماء وتبريكهم لمثل هذه الطقوس والخرافات البعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام الطاهرة وعقيدته اللنزيهة وآدابه النظيفة ، يعطيها الشرعية الدينية في أذهان العوام والجهلة بل أنهم يحاربون الناجحين ويقاومون الدعاة المصلحين ويدافعون عن تلك البدع والخرافات تحت ظل هؤلاء العلماء المؤيدين لها أو الساكتين عنهاحتى أصبحت المواجهة مع أهل البدع والخرافات أمرا صعبا يحتاج إلى جهود كثيرة وأساليب منهجية قومية وصبر ومصابرة ومثابرة .
من أساليب معالجة البدع
إذا نظرنا إلى واقع المجتمعات الإسلامية وبلاد المسلمين على وجه الأرض بعين التحقيق والإنصاف ، لا نرى مجتمعا أو بلدا إلا وقد انتشر فيه بعض البدع والخرافات – بشكل أو آخر – ويجب أن نضع في الاعتبار أيضا إلى جانب هذه الحقيقة المرة المؤسفة ، أن القرآن والسنة وقدوة السلف الصالح قد أقفل جميع منافذ الانحراف والابتداع والإفراط والتفريط في شأن التوحيد الخالص الذي لا تشويه شائبة ، والعبادة المطلقة الخالصة لله الواحد القهار ، وحذر القرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من النسرب إلى صفوف أمة الإسلام شيئ من الانحراف والغلو في الأمور الدينية كما تسرب إلى الأمم السابقة فقال القرآن مرشدا ومحذرا : “قلل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا ، والله هو السميع والعليم ، قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” (المائدة : 77-79) .
وروى الإمام البخاري في صحيحه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله” (البخاري) ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أيضا : “أنه قال : “إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” .
وإن الغلو في الاعتقاد عن مكانة الأنبياء والأولياء قد أدى بالأمم السابقة إلى الوقوع في الشرك وعبادة التماثيل لهم وطلب العون والمدد منهم ، والتمسح بقبورهم والطواف حولها والتعلق بأستار الأضرحة وما إلى ذلك من أعمال الشرك والخروج عن دائرة التوحيد الخالص إلى حظيرة الخرافات والخزعبلات والأوهام الفارغة .
وبعد أن أقفل منافذ الشرك والبدع والخرافات من خطوات الأمم والديانات الأخرى الممرفة أو المنحرفة دعا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أمته بالتدقيق في التمسك بالسنة الخالصة والابتعاد عن كل شائبة البدعة فقال : “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور قإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
تهيئة النفوس لتقبل النصيحة
ينبغي أن يكون أسلوب محاربة البدع معتمدا على الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة ، وبالتبشير لا التنفير وبالترغيب لا بالترهيب ، فلا يجوز أن يدعى أو يوصف المسلم الذي يمارس البدع والخرافات والطقوس التي تخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة وتعاليم السنة النبوية في العبادات والممارسات الدينية بأنه مشرك أو كافر ، لأن ممارسته لهذه المخافات ، إما تكون بجهل أو غفلة أو بعلم وعمد ، ولكل منهما أحكام ومواصفات وينبغي للداعية المصلح أن يعي الفروق الدقيقة في ترتيب الأحكام على أعمال الناس وخاصة في مسائل العقائد والعبادات وقضايا الكفر والإيمان ، والمطلوب منه تهيئة النفوس لتقبل النصيحة والإصلاح وليس مواجهتها بالخصومة والتحدي ولا ينبغي الاستهانة بالبدع والخرافات ولا مواجهتها بمعركة حامية تزيد المخالفين عنادا وإصرارا فتكون المعالجة الخاطئة كالزيت الذي يصب في النار المشتعلة ، وأن الأسلوب الإسلامي الذي هو المنهج المحمدي وهو الأسلوب المنطقي السليم يوفر الجهود الكثيرة التي تبذل الآن هنا وهناك بلا نتيجة ملحوظة ومرموقة . ويقوم هذا المنهج على القواعد الأربع : 1 – النصيحة لا القطيعة . 2 – التبشير لا التنفير . 3 – لين الكلام لا فحش الكلام . 4 – التواضع لا التكابر .
وقد حان الأوان لأن تعلن كل الجماعات الإسلامية – بحق وإخلاص وإيمان – أن الإسلام ليس حكرا على جماعو أو طائفة أو حزب أو جنس وإنما هو دين الله الخالد العام للبشرية جميعا .