الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 25-مارس-1986 م
إن الإسلام كنظام إلهي وضعه خالق البشر والقوي ورب الكائنات ، أنزله على رسله الكرام لإبلاغه كافة الناس هداية ونورا ونبراسا لكي يسعدوا به في حياتهم الأولى والأخرى ، نظام فطري شامل ينظم شؤون الإنسان في جميع مرافق الحياة لأن الإنسان روح ومادة ، ومطالبه ومقتضياته وحاجياته تتعلق بكلا عنصري الإنسان المادي والروحي ، وعلى هذا المعنى الشامل فإن الإسلام يضع لكل شأن من شؤون الحياة ولكل شعبة من شعبها نظاما محكما وصالحا لكل زمان ومكان ، ولا يقف هذا النظام مكتوفا أو ساكنا أو حائرا أمام أية مشكلة من مشكلات الحياة أو قضية من قضاياها بدون أن يقدم حلا عادلا وصالحا ، أو في انتظار وصول الحل من مصدر آخر أو من نظام آخر أو أنه نظام مستقل كامل وجامع بكل المعايير والمفاهيم بنص قوله تعالى : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” ، وبعد هذا التصريح الإلهي والتوضيح القرآني عن طبيعة هذا النظام كدين كامل ونعمة تامة وطريقة مرضية من عند رب العالمين .
نظام يشمل كل مناحي الإصلاح
إن شمول نظام الإسلام قد أكسب له من وجهة نظر الطبيعة البشرية ، صدى واسع النطاق في آفاق الأرض ودخل فيه الناس أفواجا عندما رأوا تطبيقا عمليا في جميع شعب الحياة – الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية – لدى المؤمنين الصالحينفي خير العصور ، ومن الأمثلة السريعة الخاطفة لشمولية النظام الإسلامي لمرافق الحياة كلها : أن الإسلام يعني عناية تامة بجسم الفرد ويعلق : إن المؤمن القوي خير من المؤمن العيف ، ثم يعلق : العقل السليم في الجسم السليم ،، ويعني كذلك بتربيته العلمية والثقافية فقد جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وأعلق : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .
وأما اهتمامه بالناحية الاقتصادية للإنسان فمعروفة لدى من له إلمام بالنظام الإسلامي الاقتصادي الواسع المتكامل وقد وضع القواعد والنظم لتدبير المال وكسبه من وجهه الحلال وصرفه وإنفاقه كذلك بلا إفراط وتفريط وبلا إسراف وتبذير ورفع شأن الأغنياء الشاكرين كما رفع درجة الفقراء الصابرين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : طمن أمسى كالامن عمل يده أمسى مغفورا له ” .
وقد جعل الإسلام الإيمان الصادق هو المنقذ الوحيد للإنسان من كل المشاكل الذهنية والنفسية من القلق والخوف والهم والغم فقال القرآن الكريم : “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” ، فإن الإيمان الحق بأن له خالق ورازق ورب يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد ، وهو الذي خلق كل شيئ وهو اللطيف الخبير ، يحقق له أغلى شيئ يمكن أن يملكه الإنسان في الوجود وهو الأمن النفسي والطمأنينة القلبية فإن القلق والخوف والهم يأتي نتيجة الحيرة عن مصيره بيد خالقه ورازقه وهو الذي يدبر أمره ويقدر رزقه وأجله ومصيره وما عليه إلا اتباع منهجه الذي وضعه لخلقه ، وبهذا القدر من الإيمان يستطيع الشخص المؤمن أن يتغلب على كل المشاكل ويقاوم كل الصعاب ويسيطر على القلق والخوف ويملك زمام الأمن والسلام النفسيين مصداقا للإعلان القرآني : ألا بذكر الله تطمئن القلوب ! .
القرآن دستور الحياة
لقد علمنا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الكثيرة أن منهج الإسلام منهج إلهي شامل أرسل الله تعالى به الأنبياء والرسل في مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات ، وقد سمى كا واحد الرسالة التي أتى بها “الإسلام” كما سمى أتباعه “المسلمون” ، وجاء هذا المنهج ليحمي الحياة من حركة الإنسان الهوجاء العمياء ، بدون هدى ودستور قوى متين ، مدون ومسجل في كتاب مسطور ، فجاء هذا المنهج مدونا ومفصلا في القرآن المجيد ، كتاب الإسلام وقد وصفه الله سبحانه وتعالى شفاء ورحمة : “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين” (الإسراء : 82) .
وأن الإعجاز الكامن في هذين الوصفين الرائعين الدقيقين للقرآن الكريم – أي شفاء ورحمة – لأن القرآن يشفي غليل الضال الحائر من قلقه وخوفه كما أنه دواء لأمراض النفوس الظاهرة والباطنة كلما يعمل به ويتناول جرعاته وحباته حسب إرشادات الطبيب الحكيم ، وأنه رحمة للعباد من رب العباد فوق شفاء أمراضهم وإزالة آثارها ، لأنه بمثابة مناعة لهم وحصانة ضد عودة الأمراض مرة أخرى وصيانة لهم عن تعرضهم لأخطار جراثيم تفسد الأجسام والنفوس وتعرضها للمخاطر والمهالك ، ومن جاء التعبير الإعجازي بمعنى شفاء للأمراض الموجودة ووقاية من الأمراض المتوقعة وفي هذا المنهج نعمتان ، نعمة دفع المضرة ونعمة جلب المنفعة في الدارين ، وقال تعالى : “إن هذا القرآن ليهدي للتي هي أقوم ..” فبه قوام الحياة وة وبه تستقيم الأمور وهو الصراط المستقيم .