الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 24-مارس-1986 م
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ، في عدة آيات محكمات أن شكر النعمة يزيدها وينميها ، وكذلك لا يستطيع الإنسان ، مهما أوتي من قوة الإحصاء والرصد والجمع ، أن يحصي نعمه التي أسبغ عليه ظاهرة وباطنة ، ومنها قوله : “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم” (إبراهيم) ، وقوله أيضا : “وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ” (الزمر : 7) . وأن الشكر يتحقق بذكر المنعم ونعمائه وحبه وحمده والثناء عليه ، فمن شكر المنعم وذكره فلا شك في أنه يرضى به ويزيده من نعمه ويداومه ، وقد بين سبحانه وتعالى هذه المنة الربانية في صريح آياته فقال : “لئن شكرتم لأزيدكم” ، ومهما شكر الإنسان لا يستطيع أداء واجب الشكر كما حقه لأن النعم التي يتمتع بها ويستفيد منها ليلا ونهارا لا تعد ولا تحصى فكيف يحصى واجبات شكرره ولكنه أنعم على عباده الشاكرين بنعمة كبرى ألا وهي جعل الشكر الواجب بنفسه سبب لمزيد من النعم فيحتاج إلى الشكر على شكره فإلى هذه المنة الكبرى اللامتناهية والتي يعجز أمامها عن أداء الجق الواجب من الشكر مهما حاول ووظب وداوم على انواع الشكر قولا وفعلا ومالا ، يشير الشاعر العربي الحكيم عن طبيعة نعمة الشكر فضلا عن شكر النعمة :
الشكر فضلا عن شكر يشكرها كذلك شكر الشكر يحتاج يشكر .
وقفة أمام بعض نعم الله
وأن وقفة واحدة أمام نعم الله تعالى ، نجدها تستوجب الشكر والثناء والحمد في كل لحظات حياتنا وفي كل نفس من أنفاس دقات قلوبنا ، وأن أولى هذه النعم الخلق من القدم ، والنفخ من روحه وبه الحياة و ودقات القلب ، ثم أمدنا بوسائل الإدراك والفهم والعلم من سمع وبصر وعقل . وقال تعالى : “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون” (النحل : 78) . ثم نقف وقفة تأمل وتبصر أمام إحدى النعم التي بها حياة هذا الجسم وبقاؤه ، ومن نعمة الرزق المتمثل في الطعام والشراب وبهما قوام الحياة ، وإلى هذه النعمة الجليلة الظاهرة التي لا تخفى على أي إنسان عاقل مهما ضعف وعيه وإيمانه ، وأن ذرة من العقل تحركه إلى التنبه إلى شتى جوانب هذه النعمة الكبرى وقال تعالى : “فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الما ء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ” (عبس : 13-24) . وقال تعالى : “وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ، سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون” (يس : 33-36) .
جزاء الشكر في الدنيا قبل الآخرة
وقال تعالى عن جزاء الشاكرين في هذه الحياة الدنيا وإدامة نعمه عليهم والزيادة منها لأنه غنى كريم فقال : “ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم” (النحل : 40) .
ويتجلى شكر النعمة في توجيهها إلى ما يرضى به صاحبها وكذلك إلى ما ينفع نفسه وينفع بها الآخرين ، فيرتاح ضميره ويطمئن إليه إخوانه وأقاربه وأصدقاؤه ويكون محل دعواتهم وتحياتهم فيكون راضيا مرضيا ، وهل هناك سعادة وهناءة أكثر من راحة الضمير ومرضاة الناس الذين حوله ؟ وإلى إتمام النعمة بالشكر عليها يشير القرآن الكريم : ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ” (الشورى : 23) . ثم قال : “ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ” (فاطر : 30) .
مغبة نكران النعمة
وأما الجاحدون لنعم الله تعالى فيكونون عرضة لنقمته وتأديبه فجأة وبغتة ، ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بتركه مدة طويلة أو قصيرة ، في غيه وضلاله وغروره فعليه توقع أخذه جبار مقتدر من حيث لا يشعر ، وإلى هذه المغبة المحتملة ينبه القرآن الكريم عقل البشر ليكونوا على حذر قبل فوات الأوان : “وضرب الله مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع الخوف بما كانوا يصنعون” (النحل : 112) .
لقد آن الأوان لكل جبار عنيد ومغتر ببعض النعم والأغراض الدنيوية التي لا بد أن تزول من يديه أن عاجلا أو آجلا ، نتيجة لنعمة الله المنعم بسبب نكرانه وكفرانه ، أو بموته وفراقه هذه الحياة صفر اليدين وحاملا على عاتقه سفر الدين عليه أداؤه وسداده بكل دقة ومحاسبة وميزان ، ان ينتبه إلى وبال سوء التصرف فيها من بركة في المال وراحة في البال .