الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 20-أبريل-1986 م
إن الإسلام دين الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ، كما نص على ذلك قوله تعالى في كتابه الحكيم الذي أنزله دستورا خالدا للبشرية جمعاء ، على خاتم رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (الروم : 30) . وإن الفطرة الإنسانية قائمة على العنصرين الأساسيين حيث لا يوجد لها كيان مستقل ووجود ومتميز مؤثر أو منتأثر في هذا الكون إلا بهما وهما المادة والروح ، وأنا المادة وحدها بدون مصاحبة الروح وتواجدها الفعلى في كيانها ، فلا تفعل ولا تتفاعل ، ولا تنفعل ولا تتحرك ولا تنمو ولا تنتج شيئا تلقائيا من عند نفسها وبذاتها ، وكذلك فإن الروح لا تفعل ولا تتفاعل إلا في إطار قالبها المادي وبعبارة أدق أن الروح إنما تحتاج إلى جسم مع مواصفات خاصة لكي تعمل بواسطته وإذا فقد الجسم المواصفات المطلوبة بحكم الفطرة ونواميسها الطبيعية فيصير غير صالح لأن يكون مقرا للروح فيه فتفارقه وهذه الحالة التي يتم فيها افتراق الروح من الحسم الذي كانت تقيم فيه وتتعامل معه بفعل ورد فعل ، لفترة من الزمن منذ أن دخلت في هيكل ذلك الجسم بأمر من الله العزيز الحكيم ، هي التي يطلق عليها الموت أو الوفاة ، وأما حقيقة الروح فهي أمر خاص من أمور الله تعالى وسر من أسراره الغيبية فقال : “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” (الإسراء : 85) .
الإنسان روح ومادة
فإذا ثبت أن الإنسان روح ومادة فلا قوام له إلا بهما معا كما لا يكون له تقدم محسوس وملحوظا إلا بتقديم عنصريه الأساسيين فالطاقة الإنسانية إنما يتحقق بتقوية الروح والمادة معا .
وقد جاء النظام الإلهي المتمثل في النظام الإسلامي لتنظيم وتقويم والفطرة الإنسانية المذكورة لتؤدي وظيفتها في هذه الحياة على وجه الأرض كما أرادها خالق السماوات والأرض لتحقيق خلافته فيها ولتعمير الأرض واكتشاف ما يمكن من أسرار خلق الله في الكون ونشر الأمن والسلام والنظام في أرجاء الدين وتنفيذ أحكامه وأوامره في شؤون الحياة كلها حتى تكون حياة الإنسان كلها عبادة وإسلاما وطاعة لخالق الكون وربه وإلهه المطلق فقال :”أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون” (المؤمنون : 115) .
الحياة الدنيا ليست عبثا
وقد تبين لنا بكل صراحة وجلاء من الآية القرآنية المذكورة أن هذه الحياة الدنيا ليست عبثا وبدون هدف معين وأنها حياة هادفة وذات مسؤولية ، وقد كانت الحياة في منظور النظرة الفطرية والحقيقية الواقعية في المجتمع العربي قبل البعثة المحمدية ، حياة عابثة ولاهية وضعيفة حيث كان ذلك المجتمع وثنيا قبليا تمزقه العصبيات والحروب القبلية والمعارك الجانبية لأتفه الأسباب ولأقل الخلافات فخلف الإسلام من هؤلاء العرب خلال فترة وجيزة أمة قوية متراصة ومتحدة وقدوة للشعوب الأخرى في جميع مجالات الحياة ، ودعاهم القرآن لأول وهلة إلى تحرير الفكر الإنساني من عبادة الأوثان وتقريب الأشخاص فيما بينهم برابطة عقيدة التوحيد بالله تعالى وتحقيق الأخوة الإنسانية عن طريق اذابة الفروق الجنسية والقبلية والطبقية والطائفية .
تعبئة الطاقات الروحية والمادية عن طريق أركان الإسلام الخمسة
إن أركان الإسلام الخمسة إنما هي ممارسة شخصية وتجرية ذاتية للفرد المسلم ليتسلح بطاقة ذاتية روحية ومادية ، وإن هذه الأركان الخمسة إنما هي الدعائم الخمس أو اللبنات الخمس التي تتكون منها البنية الإسلامية أو الشخصية الإسلامية القوية وهذه الشخصية متكاملة ومتضامنة في الجمع بين جميع القيم الإنسانية الفطرية وبين عوامل الطاقات المادية والروحية وبعد اكتمال هذه الطاقة المتكاملة للمجتمع العربي خلال ثمانية أعوام فقط منذ بناء كيان هذا المجتمع بالمدينة المنورة وتحت قيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، حصل فتح مكة وتحرير البلاد العربية من عبودية الوثنية والتقاليد السلبية البالية وعناصر التخلف والاضطهاد المادي والروحي وقصور الآية القرآنية التالية بعض جوانب التعبئة التي اهتم بها الرسول حيطة واستعدادا لأي هجوم مفاجئ من الداخل أو الخارج لتقويض قوة الأمة الإسلامية أو تفتيت شملها أو توهين عزتها وكرامتها : “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله ويعلمهم ، وما تنفقوا من شيئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون” (الأنفال : 60) . ويدخل في نطاق هذا الإعداد المأمور والاستعداد المفروض على الأمة العربية والإسلامية بنص الآية كل أنواع القوة – المادة والمعنوية – لأن الجملة وردت بصيغة العموم وبدون أداة التعريف (من قوة) .
ومن الواضح من الظروف الراهنة التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية اليوم أن عليها تعبئة الطاقات المعنوية والمادية تحت مظلة الوحدة والأخوة .