الخليج اليوم – قضايا انسانية –24/11/1985
لقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت “خلقه القرآن” . وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم : “إنك لعلى خلق عظيم” . وثبت من هذا النص الصريح المعجز أن خلقه صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى والأسمى لأحسن الأخلاق بشهادة خالق البشر في كتابه الكريم . وكان تجسيدا حيا للأخلاق القرآنية ، كما اتضح من جواب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فمن أراد أن يرى مظهرا حيا للأخلاق القرآنية فلينظر إلى السيرة النبوية فيجد فيها تطبيقا عمليا واضحا – منبغا ومظهرا – للأخلاق القرآنية ، في أروع صورها كأنه قرآن حي يمشي على وجه الأرض فصار خلقه القرآن كما صار القرآن خلقه .
سر عظمة خلقه
وما دام خالق البشر والقوى قد وصفه خلقه بأنه “خلق عظيم” فيجب أن يكون المثل الأعلى في جميع مرافق الحياة البشرية ، ولا يدانيه شيئ من الأنظمة الأخلاقية في الوجود ، كما أنه جدير بالذكر بالاتباع والاقتداء به .
وقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوقيت من الله تعالى وبتأديب مباشر منه ، كما قال :”أدبني ربي فأحسن تأديبي ” أن يجسد خلقه الرفيع في جميع أجزاء سلوكياته الشخصية والاجتماعية . وقد تركت نماذج أخلاقه السلوكية أكبر الأثر في حياة المسلمين في عصره وهذا الأثر هو الذي خلق منهم نجوما هداة ، لسائر البشر في كل زمان ومكان ، إذا أنهم عاشوا في عصر النبوة المحمدية التي امتازت بالعطاء والأصالة والقدوة السلوكية منطقة النظير .
نماذج مبسطة من نمطه السلوكي
وكان سلوكه صلى الله عليه وسلم في حياته الفردية والاجتماعية سهل المنال ، وواضح المعالم ، وفي إمكان كل إنسان عادي أن يطبق في حياته اليومية تلك السلوكيات بدون تصنع ولا تكلف : فكان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا عما كان يعنيه ، ويتفقد أصحابه ، وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكلا الله ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، ومن جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يرجح إلا بها أو بميسور من القول ، ومجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات ، ويجلس الناس فيه متعادلين ومتواضعين يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبسط رجليه بين أصحابه قط ، وإن كان ليصافحه الرجل ، فما يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من يده حتى يكون هو التارك ، وما فاوضه أحد قط من حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف ، وما نازعه أحد قط الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت . وكان يقسم لحظاته بين أصحابه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم . وهكذا كان يوزع فيض خلقه بين المحيطين به . وبهذا الخلق القويم وبسلوكه المثالي مهد الطريق إلى قلوب معاصريه ومناصريه ، وقد وصف القرآن الكريم تلك الحالة بأروع تعبير وأجلى توضيح إذ قال : “فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” . فليكن لنا في الأخلاق القرآنية التي جسدها لنا الرسول الكريم ، هدى وقدوة في حياتنا اليومية .