الخليج اليوم – قضايا انسانية -12/10/1985
إن من أهم اللعوامل في تكوين شخصية ، في نظر الإسلام هو تقوية الطاقة الروحية فيه . أن هذه الطاقة تنشأ أولا وبالذات ، من التدين ، فأساسه الإيمان بخالق الكون وبقضائه وقدره ، والإيمان بالآخرة والحياة الأخرى . فإن هذه العقيدة تربى فيه الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في الشدائد ، ومشاكل الحياة في شتى المجالات ، مطمئن القلب وساكن النفس .
إن التدين والقوة الروحية الناتجة منه ، يجعل من الشباب شخصية واثقة بنفسه ، ومعتمدة في نجاحه بعد إعداد الوسائل والعمل لها ، على معونة الله عز وجل وتوفيقه ، ويقبل على عمله بجد ومثابرة بدون الدعة والميوعة والتواكل والتقاعس . وأن الطاقة الروحية تغرس في الشباب كثيرا من الفضائل الشخصية والاجتماعية التي تجعل منه مواطنا عاملا في بناء أمته والنهوض بها ودفعها إلى مراتب العزة والسؤدد لتتنبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم . وتغرس في نفسه الشجاعة والإخلاص ، والإيمان بالفكرة الصحيحة والدفاع عنها بكل عزيز وغال لكي يغرس في نفسه احترام حقوق الغير والمحافظة على أموالهم وأعراضهم .
وكذلك لا بد من الإعداد العلمي والثقافي والخلقي ليستطيع به الشاب أن يواجه الحياة وهو مسلح بالمعلومات اللازمة في معترك الحياة ، وبصيرر بشؤونها وأحوالها . ويجب أن يتزود كل شاب بالدراسات الشخصية والتجارب العملية في مرافق الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية مع الاحتكاك الشخصي مع الشخصيات البارزة والمجربة في شتى ميادين الحياة الإنسانية بتفهم وتبصر ووعي وإدراك .
وإذا نظرنا إلى تاريخ عصور الإسلام الأولى نجد فيها أن الشباب المسلم ، فتيانه وفتياته ، لعبوا دورا هاما في نشر الدعوة الإسلامية ، ورفع ألويتها وإنهاض الأمة المحمدية ، ونجل أمثلة رائعة لجهاد الشباب وإيمانه بفكرته واستعذابه الألم والاضطهاد في سبيل رفعة الإسلام وإعلاء كلمة الله وإنجاح الدعوة إلى الله تعالى ، وكل هذا وذاك بفضل التعاليم القرآنية والتربية النبوية في إعداد الشباب ، إعدادا صالحا كاملا ماديا وروحيا .
دعنا نلقي الآن نظرة خاطفة على نموذجين لفتى مسلم وفتاة مسلمة من سلفنا الصالح ، مثالا حيا لدور لشباب – فتيانه وفتياته – في انتشار دعوة الحق وانتصارها ، في أحلك الأيام وأشد المقام ، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة وعلمت قريش بعزمه اتفقت على قتله ليلة الهجرة ، فأمر عليا رضي الله عنه أن ينام في فراشه بدلا منه ليخدع قريشا ، فقبل الشاب الشجاع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو يعلم أن القتل سيكون قاب القوسين منه أو أدنى ، ولكن قبل ذلك بنفس راضية مطمئنة ، مضحيا بها في سبيل الله ورسوله ، فنجا النبي صلى الله عليه وسلم وانتشرت الدعوة الإسلامية .
وأما الفتاة المسلمة التي ضربت المثل في الشجاعة والإخلاص بشخصيتها البطولة فهي فاطمة بنت الخطاب لقد أسلمت فاطمة قبل إسلام أخيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي دون العشرين ، وكانت تكتم إسلامها عنه لشدته ، فلما علم بذلك دخل عليها وقال : “بلغني أنك صبأت ” ، ثم ضربها ووثب علي زوجها فضرب به الأرض ، وجلس على صدره ، فجاءت فاطمة تمنعه منه فشج وجهها وسال دمه ، فلما رأت الدم بكت وقالت له : “أتضربني يا عدو الله لأني أوحد الله لقد أسلمنا على رغم أنفك يابن الخطاب ، فما كنت فاعلا فافعل ، وفكر عمر فيما فعل وندم عليه ، ومازال به تفكيره حتى قادة إلى حظيرة الإسلام ، وكان إسلامه عزة للمسلمين جميعا وخطوة مشرقة في تاريخهم المدير . وأن في أدوار ذلك الشباب وتلك الشابة عبرا ودروسا لشباننا اليوم وكل حين في سبيل المجد والعزة .