الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 2-نوفمبر -1986 م
من المعلوم فطريا وعقليا وتاريخيا وواقعيا أن القوي يؤثر في الضعيف ، وأن عملية التأثير تتوقف إلى حد كبير على مستوى المؤثر والمتأثر في قوة العقيدة وقوة الأخلاق وقوة الطاقات الإمكانيات المادية إلى جانب المعنويات . وتتبين هذه الحقيقة الفطرية والكونية من تواريخ الأمم والشعوب في مختلف الأزمنة والأمكنة فلما كانت الدولة الإسلامية في عصورها الأولى قوية ومتحدة وجادة في سياستها ومهتمة بغاياتها وأهدافها ومعتنية بحضارتها وثقافتها ولغتها ، ومزدهرة بعلومها ومعارفها ومرسلة أشعتها إلى أنحاء العالم بدافع الخدمة الإنسانية والسعادة البشرية ، قد أثرت الحضارة الإسلامية في سائر الحضارات السائدة في البلاد حينذاك ، وصارت الثقافة الإسلامية ذات أثر فعال فيما عداها من الثقافات ، حتى حتى كانت اللغة العربية تؤثر في اللغات العلمية والأدبية الأخرى في مراكز الحضارات القديمة الكبرى مثل الهند والفرس ، والترك وغيرها حتى تأثرت لغات تلك الأمم باللغة العربية التي كانت مصدر الريادة في العلوم والمعارف والفنون .
وبعد أن تسرب الضعف والهوان إلى كيانها وبدأ التمزق والخذلان يدخلان إلى شعوبها بسبب حب الذات والشهوات والتهافت على الملذات والتكالب على حطام الدنيا المؤقتة والابتعاد عن الأهداف النبيلة والمثل العليا ، تقلصت خصائص الحضارة الإسلامية واضمحلت ميزاتها وتهاونت أمجادها وعجزت عن تقديم المستجدات والمخترعات والاكتشافات النافعة للإنسانية فضعفت الدولة وبالتالي أصبحت ثقافتها وحضارتها ومركونة في الزوايا ومطوية في الأوراق آثارها منقوشة على الجدران ومرسومة على الصفحات واللوحات وتخلفت وتقاعدت عن معترك الحياة ، وحلت محلها في مجالات الحياة السائدة والجارية في ابلاد ثقافات أخرى جاءت من الأمم الغالبة والمستعمرة والمسيطرة على مقاليد الأمور في بلاد المسلمين بعد أن ارتمت تلك البلاد في أحضان الثقافة الأجنبية الغربية التي عملت وراءها دول الاستعمار الغربي القوية وبالتالي أصبحت الثقافة الإسلامية متجمدة وراكدة وصار المسلمون يعجزون عن إحيائها واستثمارها في حياتهم اليومية نتيجة لتأثير ثقافة الاستعمار القوي .
وقد ثبت بالفعل صدق القانون الفطري المعلوم بأن الضعيف يتأثر بالقوى في شؤون المسلمين منذ بداية الانحطاط والتخلف ، والتقليد والتبعية فصارت ثقافتهم وحضارتهم وعادتهم ومعاملاتهم السلوكية وحياتهم العائلية والاجتماعية تتأثر بالثقافة الغربية وخاصة بالنواحي المادية واللهوية منها لأن وسائل التأثير في هذه الساحات أوسع وأكثر ، واتباعها أسهل وأهون عند زعزعة القيم الدينية وبلبلة العقيدة الصحيحة في النفوس بسبب انتشار الخرافات والأباطيل والأضاليل عن طريق الغزو الفكري وغسيل المخ والانحلال الخلقي والسلوكي .
فلما كانت دولة قوية متحدة وراء المسلمين صارت الثقافة الإسلامية ذات أثر فيما عداها كما كانت مصدرر توجيه وإلهام وإرشاد للآخرين ، وحين أصبحت دولة المسلمين ضعيفة وممزقة وتابعة للقوى الأجنبية صارت ثقافتهم جامدة وخامدة واتجه المسلمون إلى استجداء الثقافة من تلك القوى الأجنبية الغالبة التي بسطت نفوذها وتأثيرها على بلاد المسلمين .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” (الزمر : 9) .
من الهدي النبوي
“بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء” (متفق عليه) .
من الأدعية المأثورة
قال اللنبي صلى الله عليه وسلم : “إذا استيقظ أحدكم من النوم فليقل :”الحمد له الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور” .