الخليج اليوم – قضايا انسانية -14/10/ 1985 م
إن المشاكل والمصائب التي تحيط بالعالم الإنساني اليوم ، أدهى وأمر من تلك المشاكل والمصائب التي كانت تحيط بالعالم البشري – في كل ناحية من نواحي الحياة الإنسانية – في عصور الجاهلية الأولى ، فإذا كان القتال في الجاهلية اللغابرة لأجل الدفاع عن قبيلة أو عن فرد من أسرتها ولحفظ كرامتها وعرضها وشرفه ، كلما يتعرض فرد من أفرادها أو أسرة منها لانتهاك الحرمة أو الكرامة أو العرض فكان جميع أفرادها يثورون على المنتهك للحرمات أو المعتدي على كرامتها وسيادتها ، فلا يكون لأحد منهم هدف شخصي ولا مطلب ذاتي إلا حفظ الكرامة الإنسانية والدفاع عن حرية الأفراد والجماعات والانتقام من منتهكي الأعراض والشرف ، ولا يتسرب إلى قلوبهم فكرة إشعال الحرب أو بث بذور الفتن لتحقيق الأطماع الشخصية أو الأغراض الذاتية .
أسباب حروب اليوم . . . والأمس
وكم من حروب تنشب اليوم فتدمر المدن والقرى ، وتقتل اللشيوخ والأطفال والنساء والأبرياء ، وكم من كروب تتبعها كروب ، كل هذا وذاك في أغلب الأوقات لمصلحة شخص واحد ولإتمام هوى نفس واحدة ، مع أن حرب ساعة في العالم الحاضر تعادل حروب سنين عديدة في عصور تلك الجاهلية بل أكثر وأشد فتكا لأن الأسلحة الحربية هناك كانت أخف تدميرا وأقل تخريبا .
ومن ناحية أخرى أن الجرائم التي كانت تنتشر في أيام الجاهلية الأولى والفظائع التي كانت ترتكب فيها أقل انتهاكا للحرمات الإنسانية وأخف ضررا على المجتمع البشري من الجرائم والفظائع الخلقية المنتشرة اليوم في البلاد المتحضرة المزعومة .
الافتخار بالجرائم !
إن أهل الجاهلية الأولى ما كانوا يفتخرون بارتكاب الجرائم والفظائع بل كانوا يعتبرون الفظائع فظائع ، والجرائم جرائم ، فأما في عصرنا الحديث فكم من شنيعة خلقية وجريمة إنسانية انتشرت رسميا في البلاد فصارت محل الإعجاب والافتخار بأسماء خلابة مزيفة ومصطلحات جذابة مخرفة مثل : الثقافة العصرية والحضارة العلمية ، والبرامج الفنية ! وقد انقلب الآن كل شيئ على عكس الطبيعة والنظرة السليمة حتى أصبح الاستعباد باسم الاستعمار ، وصار الاستغلال باسم الاستصلاح ، وانقلب الخلق الفاضل وجعي ، والانحلال الخلقي والتسيب الاجتماعي تقدما وتحضرا !! وأخيرا – وليس آخرا – قد صار “الإرهاب” و “الظلم” في انتهاك حقوق الغير العادلة وسرققة أوطانه وثرواته ، “عدلا” و “حقا” ، بينما يطلق على التصدي لذلك الإرهاب والعمل لاسترداد الحقوق الموضومة الظلم والإرهاب وغيرها من المصطلحات التي ابتدعوها ، حتى صار اليوم الحق باطلا والباطل حقا !!
أفحكم الجاهلية يبغون ؟
إن من أهم خصائص الجاهلية اتباع الأهواء والشهوات وأن الجكم بالهوى والاتجاه إلى إشباع الأطماع الشخصية والتغافل عن مصالح الآخرين والعدل الإنساني سيؤدي حتما في النهاية إلى التصادم والتنازع ثم الطغيان المادي . وإلى مغبة هذا النوع من الحكم يشير القرآن الكريم : “أفحكم الجاهلية يبغون ؟ ” .
ولا شك في أن هوى الإنسان مرتبط بالشيطان وإيحائه ووساوسه وأن اتباع الشيطان في أي مرفق من مرافق الحياة يحيد بالإنسان عن جادة الطريق ويبتعد عن الطريق المستقيم الذي هو الطريق الأقوم الذي رسمه خالق البشر لسعادتهم وهدايتهم ورفاهيتهم في الدارين . وأن فطرة الإنسان تأبى أن تخضع لأحكام “الجاهلية” ، مهما قدمت إليه في طبق ذهبي مع عسل ولبن ، وبمصطلحات براقة مثل “اللعلمانية” و “الاشتراكية” و “الديمقراطية” !