الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 19-يناير-1987 م
إن مادة “حسن” في اللغة العربية أكثر الألفاظ محبوبا إلى قلوب البشر ، وأن كل كلمة تشتق من هذه المادة تدل على الحسن والجمال والزينة والإتقان والعطاء والكرم والعفاف والفائدة والانتفاع ، والفضيلة والعزة والكرامة ، كما أن صفة الحسن تزيل عن صاحبها شوائب السوء والقبح والشين وتقربه إلى قلوب الناس ، ومن هنا : يستعمل لفظ الحسن مقترنا بكل الأفعال والأقوال والأحوال الممدوحة فيقال : حسنه : زينه وجعله حسنا ، وأحسن : فعل الحسن ، وأحسن الشيئ : جعله حسنا أو علمه علما حسنا، وأحسن القراءة : قرأ بإتقان وتجويد ونطق صحيح وصوت جميل ، وهكذا جاءت المشتقات من مادة “حسن” عناوين الخير وألقاب الصلاح ومظاهر التقوى ، ووسائل الفلاح في الدنيا والآخرة ، وفي المفاهيم الإسلامية والمصطحات الشرعية .
وقد وصف الله سبحانه وتعالى أسماءه بالحسنى فقال : الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ” (طه : 8) .ثم قال : “هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى” (الحشر : 24) . وقال أيضا : “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها” (الأعراف : 180) . وجاء وعده لعباده المؤمنين الصالحين من الثواب والجزاء بصيغة الحسنى فيقول : “لله استجابوا لربهم الحسنى” (الرعد : 18) . ثم يقول : “وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى” (الكهف : 88) .
وبعد أن وصف رب العزة أسماءه بصفة “الحسنى” وجزاءه لعباده الصالحين بصفة “الحسنى” يأمر المؤمنين أن يتخذوا “الإحسان” خصلة متميزة في حياتهم ، ويقرنوا كل أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم سكناتهم بالحسنى وأن يلتزموا بالإحسان في جميع مرافق الحياة البشرية ، ومن هذه الإرشادات الربانية قوله تعالى : “وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” (البقرة : 195) . وقوله أيضا : “للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير” (النحل : 30). وقوله كذلك : “للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم” (آل عمران : 172) . وأما الإرشادات النبوية في الحث على التخلق بخلق الإحسان فكثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الرد على السؤال : فأخبرني عن الإحسان ، إذ قال :”أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه إنه يراك” (رواه مسلم) . وقد أمر أمته بالتمسك بخلق الإحسان في كل شيئ حتى عند مواجهة الإساءة ولقاء المسيء فقال :”اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن” (رواه الترمذي) .
ومن أهم وأبرز أبواب الإحسان معاملة الناس بالحسنى وإسداء النصح والعون والكرم إليهم بقدر المستطاع ، وإلى هذه الأبواب يشير القرآن الكريم فيقول : “وبالوالدين إحسانا” (النساء: 36) . ويقول أيضا : “ووصينا الإنسان بوالديه حسنا” (العنكبوت : 8) . ثم يقول : “وأحسن كما أحسن الله إليك” (القصص : 77) . ومن أوجب الواجبات في مفهوم الأدب الإسلامي المعاملة مع الناس بالحسنى فيأمر القرآن بجوامع كلمه : “وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” (البقرة : 83) .
وأما الجدير بالاعتبار والاتعاظ في هذه الآية الكريمة فهو تقديم الأمر بالقول الحسن للناس على الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وذلك إيذانا وإشعارا بأهمية الإحسان في القول في حياة الإنسان ، ثم يقول بصورة أوضح وأجلى : “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن” (الإسراء : 53) . وكفى للمؤمنين عظة وعبرة في ضرورة التحلي بالإحسان في القول ، تذكر هذه الآية الحكيمة بقلب واع سليم : “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين” (فصلت : 33) .
ومن الإحسان العملي هذه الخصال الخمس الواردة في الإرشاد النبوي : “حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس” (متفق عليه) . وكذلك ستر عيوب المسلمين فقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : “لا يستر عبد عبدا في الدنيا لا ستره الله يوم القيامة” (رواه مسلم ) . وقضاء حوائج المسلمين كما أرشد إليه رسول الرحمة : “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج عنه بها كربة من كرب يوم القيامة” (متفق عليه) . ويجب أن يكون رد المؤمن الإساءة إليه بالإحسان فقط لا بإساءة مثلها ، وذلك بعدة نصوص من القرآن الحكيم الذي هو النور والهدى لكل مؤمن أمين ومنها قوله : ادفع بالتي هي أحسن” (فصلت : 34) وقوله أيضا : “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن” (العنكبوت : 46) .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“إن الله يأمر بالعدل والإحسان “(النحل : 90) .
من الهدي النبوي
“إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه “(رواه مسلم) .
من الأدعية المأثورة
“ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين” (الأعراف : 47) .