الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 18-يونيو-1986 م
أوجب الإسلام على كل مسلم ومسلمة أن يكون ملتزما التزاما إجباريا وإيجابيا ومنتظما بالآداب الإسلامية في المعاملات الإنسانية ، وإن الإسلام يهدف في كل تشريعاته في العقائد والعبادات والمعاملات والمصالح العامة كلها تنظيم السلوك العام بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان وبني جنسه ومن هذا المنطلق العام صرح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “الدين المعاملة” ، لأن الدين إنما هو تنظيم السلوك والمعاملات الإنسانية بأوسع معانيها وأدق مراميها .. تتجلى آثار هذا المنهج الإسلامي لحياة الإنسان في كل آية من آيات القرآن وفي كل خطوة من السيرة النبوية وفي كل شعبة من شعب حياة السلف الصالح جماعات وفرادى .
الإسلام دين الخير والفضيلة
إن الإسلام في جوانبه دين الخير والفضيلة ويدعو اتباعه دائما إلى الالتزام بهذه الميزة العامة الخالدة لهذا الدين الإلهي الذي جاء رحمة للعالمين ونورا وهداية وتبصرة لهم جميعا فيجب أن يكون كل مسلم محبا لدواعي الخير والفضيلة بحيث لا يصدر منه إلا الخير قولا وفعلا ومعاملة وسلوكا لأنه ملتزم التزاما كليا وجزئيا بتطبيق مبادئ الإسلام وأحكامه في حركاته وسكناته كلها ابتغاء وجه الله تعالى وإن هذا الوازع الروحي الداخلي يجعله محبا للخير والفضيلة فقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما الإسلام” فقال: “لين الكلام وإطعام الطعام وإفشاء السلام ” ثم قال في جواب لسؤال آخر وجه إليه : “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” .
وأن التشريع الإسلامي يمتاز بعنصر أخلاقي له صفة الالتزام في جميع حالات المسلم ، كما أنه يأمره بفعل الخير وترك الشر دائما وفي كل الظروف بل هو يوجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد أعلن الإسلام أن كل ما يحقق مصلحة أو منفعة للفرد أو الجماعة أو يدفع ضررا عن الفرد أو الجماعة فهو خير يجب أن يفعله ابتغاء وجه الله تعالى ، وكذلك يأمره بترك كل ما يعطل مصلحة أو يلحق ضررا بالفرد أو الجماعة لأنه شر يجب أن يتركه المؤمن خالصا لوجه الله عز وجل وهكذا يفتح التشريع الإسلامي أبواب الخير على مصراعيه دائما كما يسد منافذ الشر في كل الظروف والأحوال .
وفي كل هذه الحالات فإن الوازع الرئيسي هو الإيمان بالله وحده وإرضاء الضمير أمامه وأمام ذمته وإن هذا الوازع الروحي أو الضميري يعطي صاحبه دفعة هامة إلى الخير والفضيلة وردعا كافيا عن الشر والرذيلة بدون وازع خارجي مادي أو مظهري وأن استعداده الداخلي يدفعه من تلقاء نفسه إلى فعل الخير التزم الفضائل وهذه الدعوة المثالية في المعاملات الإنسانية تجعل المسلم الملتزم مثلا أعلى في الآداب الاجتماعية والمعاملات اليومية أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ويفهم من هذه الجملة الجامعة الخالدة أن جميع جوانب مكارم الأخلاق لم تكن تامة وكاملة قبل رسالة الإسلام التي اكتملت بها حلقات الرسالات السماوية وتمت بها سلسلة النبوءات الربانية ومع اكتمال هذه الحلقات بنزول القرآن الكريم وبعثة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد أصبحت مناهج الأخلاق كلها تامة وكاملة في جميع مرافق الحياة البشرية وقد أعلن القرآن هذا الاكتمال والإتمام بقوله : ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” .
ووصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم الأخلاق وأسماها وأنبلها إذ قال : “وإنك لعلى خلق عظيم” ثم أمر الإنسانية كلها باتخاذ هذا الرسول الأعظم وسيرته العطرة أسوة في الحياة لتكون ناجحة وسعيدة مرضية عند الله والملائكة والناس أجمعين فقال : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” ، وقال : “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” .
وقد أعلن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن إزالة ما يؤذي الناس بل وكل المخلوقات من الطريق العام ولو كان شوكة أو حجر أو طوبة أو كسرة زجاج ، شعبة من الإيمان نفسه فقال : “الإيمان بضعة وسبعون شعبة أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” .
وهل وصلت المذاهب الأخلاقية الحديثة التي ظهرت في عالمنا المعاصر بأسماء مختلفة ، وانبهر بها بعض الناس شرقا وغربا إلى هذه الدرجة من التحديد الدقيق من مفهوم الخير والشر في المعاملات الإنسانية وإلى هذه الدرجة من الالتزام الضميري والذاتي بدون أي ضغط خارجي أو نفع مادي ظاهري ؟ .