الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 20-أكتوبر-1986 م
السؤال : لقد ورد في القرآن ذكر الجهات التي تنفق فيها الزكاة وهي الجهات المعروفة في الفقه الإسلامي باسم : “مصارف الزكاة” وقد حدد القرآن الفئات الثماني لمن تعطي الزكاة ، ومنها فئة المؤلفة قلوبهم كما نصت عليها الآية ، وهل يجوز إعطاء شيئ من الحصص الخاصة بالزكاة للكافر رغبة في إسلامه وتأليف قلبه أو دفعا لشره ؟ وما هو حكم الدين في هذا الأمر ؟
الجواب : إن الأصل في فريضة الزكاة ووجوبها على كل مسلم هو قوله تعالى في القرآن الكريم : “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ” (التوبة : 103) . وقوله كذلك : “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ” (البقرة : 43) . وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : “بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ” (متفق عليه ) . وقد ثبت من القرآن أن الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة ، وهي مقرونة بالصلاة في مواضع كثيرة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم .
وجدير بالاعتبار أن الآيات والأحاديث الدالة على فريضة الزكاة وعلى أهميتها في الإسلام لم تذكر لا بالصراحة ولا بالإشارة مصارف الزكاة أو الجهات التي تصرف فيها أو تدفع لها ، وقد جاء تحديد وتفصيل مصاريفها وجهاتها في آية أخرى خاصة بذكرها وهي قوله عز وجل : “إنما الصدقات للفقراء والمساكين العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم” (التوبة : 60) .
جهات ومصارف أموال الزكاة المفروضة
وقد حدد سبحانه وتعالى بكل وضوح وجلاء وتفصيل تلك الجهات والمصارف في الآية المذكورة بحيث لا لبس فيها وغموض ولا ينبغي لأحد أن يظن أو يشك أتكالا على لفظ “الصدقات” الواردة في صدر آيته التي يحدد المصارف الثمانية في كون هذه المصارف للزكاة الواجبة أو الصدقات غير الواجبة ويتخذها دليل أو حجة على إخراج أية فئة منها من جهات صرف حصص الزكاة الواجبة أو على اعتبارها عامة للصدقات المسنونة والزكاة المفروضة لكي يخرج من مصارف الزكاة وبعض الفئات المذكورة في الآية وذلك بدليلين واضحين : أولا قد ذكرت الآية في ختامها ” فريضة من الله” وهذه الجملة واضحة وصريحة في أن المراد بالصدقات المذكورة هنا هي “الفريضة” وأما النصف أو القسم الوحيد من نوع الصدقات المفروضة والواجب صرفها فإنما هو قدر الزكاة فقط وأن الأصناف الأخرى من الصدقات التي تنفق في سبيل الخير هي صدقات تطوع ونفل واستحباب وليست مندرجة تحت الزكاة المذكورة فرضا وواجبا وركنا من أركان الإسلام الخمسة ، وثانيا الأمر الوارد بأخذ جزء أموالهم وجوبا وإلزاما وقد أجمع العلماء على أن المراد منه هو استخراج الزكاة بالقدر الواجب من المال الذي بلغ نصابا معينا بشروط مخصوصة نص عليها القرآن والسنة وكذلك لم يرد في القرآن أو السنة ذكر مصارف الزكاة في مكان آخر وتعيين جهات أخرى فتحدد أن هذه الجهات هي جهات صرف الزكاة الفريضة وكذلك جهات صرف الصدقات الأخرى غير الفريضة .
من هم المؤلفة قلوبهم ؟
وفي ضوء بيان العلماء أن هذه الفئة أو المصرف المذكور في الآية من ثلاث أنواع : الكفار الذين يستحقون لتأليف قلوبهم رغبة في إسلامهم وإزالة عنهم مخاوف المقاطعة من جهة أقاربهم وعشيرتهم ومواجهة الفاقة والضيق في العيش نتيجة لترك ملتهم وانضمامهم إلى المجتمع الجديد ، وكذلك الكفار الذين يضطر أحيانا المسلمون لإعطائهم بعض الأموال لدفع شرهم ومنع ضرهم وخاصة إذا كان المسلمون يعيشون أقلية ضعفاء بين أكثرية من الكفار الأقوياء الظالمين الذين يخشى بأسهم عند الامتناع عن إعطائهم بعض الأموال حينا فآخر ، وبصورة أو بأخرى ، وأما النوع الثالث فهم المسلمون الذين دخلوا في الإسلام قريبا ولم يثبت الإيمان في قلوبهم ولم يستقر الإسلام في نفوسهم أما بسبب حداثة عهدهم به أو بتشكيك المعارضين أو بعدم أو قلة اهتمام دعاة المسلمين الجدد وقد روى عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه فأتاه رجل مسألة ، فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ” (رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح) . ويدل ظاهر الحديث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أموال الزكاة كل من يسأل عن الإسلام لترغيب الناس في إسلامهم كما أنه يدل على أن الرجل الذي أخذ الشاء بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لقومه : يا قوم أسلموا . . كان على دين قومه ولم يكن مسلما حين أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ منه الشاء من أموال الصدقة . وأما الإعطاء لدفع الشر ومنع الظلم ففيه فائدتان : دفع الشر عن المسلمين وصرف ذهن الكافر الظالم إلى سماحة الإسلام وأواصر الأخوة الوطيدة بين المؤمنين كما أنه يعيد النظرة في ارتكاب المظالم ضد هؤلاء المستقيمين عقيدة ومعاملة .
وفرق كل هذا وذاك فإن جملة “المؤلفة قلوبهم” قد وردت بصيغة التعميم والإطلاق فتشمل كل جهة وفئة يتحقق فيها تأليف القلوب بصورة عامة أي تأليف قلوب المسلمين فيما بينهم وتأليف قلوب الكفار وقلوب المسلمين فيما بين الفريقين ، وكذلك تأليف قلوب الكفار مع الإسلام وإدخالهم فيه وثباتهم عليه .