الخليج اليوم – قضايا انسانية –27/10/1985
إن الإسلام دستور خالق البشر اللطيف الخبير بالإنسانية في كل أطوارها الرحيم بمجموعها وأفرادها الخبير بأمراضها الباطنية والظاهرية . وكذلك هو العارف بأدوائها الحكيم في علاجها وطبها ، فكان دستوره موجها إلى الإصلاح والصلاح ، وإن تعاليم الإسلام مشتملة على طب النفوس والأبدان وعلاج العقول والقلوب للفرد والمجتمع ، بل الإنسانية كلها ، على اختلاف الأقطار والأمصار وتلاحق الأزمان والدهور ، وتباين البيئات والأعمار ، وحذر الإسلام أبناءه بل العالم البشري كله بالابتعاد عن كل ما يترتب عليه إضرارهم فقال القرآن : “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المسلمين ” .
أمر الإسلام بالتدابير اللازمة للتداوى
ولما كان بنو آدم عرضة للأمراض والآلام ، بخد الإسلام يأمرهم بالتداوى من كل ما يعرض للهم ممن علل وأمراض فقال رسول الإسلام : “يا عباد الله تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء وشفاء ، إلا داء واحد ، فقالوا : ما هو يا رسول الله ؟ قال : الهرم كبر السن . وقال : لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل ” .
وبدون الخوض في تفاصيل رواية هذا الحديث ، صحة وضعفا ، رواية بالمعنى أو اللفظ ، فإن فيه ردا مقنعا من الشارع الإسلامي على الذين يزعمون أن ترك التداوى من التوكل والرضى بالقضاء والقدر ، وهذا الزعم الفاسد ناتج عن سببين ، أولا : عدم الوقوف على حقيقة الإسلام وأهدافه وتعاليمه ، ثانيا : جهلهم بأن ربط الأسباب بالمسببات لا ينافي التوكل فإن الإسلام دين خالق البشر ، وهو الذي خلق الأسباب والمسببات ، وأمر العباد بالاقتفاء بالأسباب فإذن التوكل بعد إتمام الأسباب التي هي في طاقة البشر مع أن رسول الإسلام بنفسه كان يبعث الأطباء إلى المرضى وكان يأمرهم بالاتصال بهم .
ضرورة إقامة الحجر الصحي
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “إذا سمعتم بالوباء بأرض فلا تقدموا عليها ، وإذا بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فورا منه ” . وفي هذا الإرشاد النبوي أكبر شاهد على أهمية “مشروع الحجر الصحي” في أنحاء البلاد لمنع انتقال الأمراض المعدية إليها ومنها إلى خارج القطر ، وعلى السلطات التي تتولى أمور المواطنين في كل بلد ، أن تتخذ الإجراءات اللازمة لإقامة المستشفيات والمستوطنات في كل مدينة وقرية ، ووحدات للطب مع أحدث الوسائل والأجهزة والأدوية للعلاج ، وللعمليات وغيرها من أساليب العلاج للمرضى والتخفيف عن آلامهم والتسهيل لأمورهم .
وقد يلتبس على بعض الناس ، وحتى العلماء ومنهم ، مسألة “العدوى” في نظر الإسلام ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث له : “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد” . وكان الرسول يحارب بالطرف الأول من الحديث ، ما كان شائعا عند العرب من أن ربط الأسباب بمسبباتها طبيعة الإسلام لا تتخلف فأصلح عقائدهم في هذه الناحية لأنه قد تنتقل الميكروبات والجراثيم إلى الجسم السليم ولكنه لا يقبلها بل يدافعها بأن تلتهمها الكرات الدموية البيضاء مثلا ، ولقوتها في كل الجسم تقدمها أولا بأول فلا تظهر عوارض المرض وينجو بتقدير العزيز الحكيم ، وهكذا نفي الرسول الكريم عدوى المرض بنفسها بل ربما تتخلف ، ويكون المرض والاختلاط يكونان سببا للعدوى فقط .
وأما بالطرف الثاني بالحديث فقد أثبت الرسول السببين – المرض والاختلاط – وحذر من الاقتراب بالأمور التي تكون سببا للضرر والعدوى .
وقد وضع الإسلام قوانين عامة فقط في مثل هذه الأمور ، ثم حث الناس على أن يكونوا دائما مفكرين ومخترعين ومكتشفين للأدوبة والأجهزة والآلات اللازمة لتعميم التداوى والعلاج في البلاد بأحدث طرق وأسهلها لكي تكون الأمة – أفرادا وجماعات – قوية في النفوس والأبدان لتعمل لصالح الإنسانية كلها بصحة ونشاط .
وثال الرسول صلى الله عليه وسلم : “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ” . ومن هنا قد حرم الإسلام كل طعام وشراب يوهن القوة أو يضعف الصحة وكذلك كل مطعوم أو مشروب يحمل ميكروبا يضر بالصحة ويؤدي إلى العدوى . ومن مفاخر الإسلام أنه لم يترك بابا من أبواب اليسر للأنام إلا فتحه ولم يترك نافذة من نوافذ الر والحسد إلا سدها وأقفلها ، فوضع تشريعات فطرية وصالحة لكل زمان ومكان وبيئة فأعلن : “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” .