الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 21-ديسمبر -1986 م
من المعلوم بالضرورة – تاريخيا وواقعيا – أن طلائع أمة الإسلام لم تقم على القيم الواهية ولم تضعفها مظاهر الترف واللهو الزائفة ، وأما الأمم الأخرى من الفرس والروم وغيرهم فما كانت تستطيع بحكم حياتهم المترفة وانشغالها بشهوات الدنيا وملذاتها واهتمامها بسفاسف الأمور ، أن تتحمل أعباء الدعوة والجهاد في سبيل الحق والعدل ومهمة خدمة الإنسانية البائسة وإبلاغ رسالة الإسلام عبرر القارات والبحار بالتضحية والإيثار وبشق الأنفس وهذا هو سر من الأسرار الكامنة في اختيار هذه الأمة هذه الأمانة المهمة السامية .
وقد أدرك أميرر المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثاقب فكره وبطول تجاربه هذه الحقيقة التي هي سر نجاح العرب في مواجهة تحديات الأمم والأمبراطوريات الأخرى القوية المتينة ذات حضارة وشوكة ومنعة فكتب إلى بعض ولاته العرب الذين كانوا يتولون مهام تصريف شؤون الحكم في بلاد العجم : “إياكم والتنعم وزي العجم ، وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب ، واخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا ” .
وهكذا كان قادة الأمة العربية الأوائل يربون حكام الأمة وأفرادها وجماعاتها على حياة البساطة وخشونة العيش وروح الرجولة والجلادة ، والابتعاد عن حياة الترف والدعة والمجون ، وعلى الإيثار والتعاون والتفاني في سبيل خدمة الإنسانية وتوطيد أركان الأخوة والمحبة .
وبفضل هذه المقومات الممثلة في عقيدة التوحيد القويمة واللغة العربية الغنية السليمة والحياة الجادة السوية بعيدة عن مظاهر الترف الزائف والميوعة الناعمة ، قد قامت نهضة شاملة وكاملة في العالم العربي والإسلامي .
ومن الواضح أن الاستشراق والتبشير والاستعمار هو الثالوث الذي يقف دائما بالمرصد لأي مظهر من مظاهر النهضة في العالم العربي والإٍسلامي ولأية بادرة كم بوادر الصحوة بين العرب والمسلمين ، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول بكل صراحة ووضوح أن هذا الثالوث حينما رأى نهضة ثقافية في الأوساط العلمية والأدبية في العالم الإسلامي واتجاها نحو إثراء اللغة العربية بالعلوم والآداب والثقافة الإنسانية التي نشأت وترعرعت في البلاد الأخرى ، من جهود العرب المسلمين وأموالهم ، بدأ هذا الثالوث يفكر في إفساد هذه البادرة بتبديد جهود هذه الأمة وأموالهم وطاقاتهم بدون أن يشعروا في أمور لا تؤدي إلى نهضة مستقلة وبطابع يميزهم وبإحساس في أنفسهم القدرة على الابتكار ، فقد وضع هذا الثالوث خطة محكمة لصرف انتباه الإدارات الثقافية ووزارات التربية والتعليم ومجالس الآداب وغيرها عن نقل العلوم التجريبية والرياضية والميكانيكية وغيرها من العلوم النافعة في التصنيع والتعمير والتنمية والمساعدة عن النهضة الاقتصادية والاجتماعية إلى اللغة العربية لاستكمال النقص الموجود في هذه المجالات ، إلى نقل كتب الفلسفة والتاريخ والتربية والأخلاق على النحو الذي يفسد أذواق الشباب ويدمر كيانهم ويزعزع عقيدتهم بحيث يصبحون أذنابا للغرب وأبواقا ينشرون ما يلقى إليهم من أفكار هدامة وآراء مضللة ولا يحسون أنها مدسوسة وغريبة لأنها يقرؤونها بالعربية ويكتبونها بالعربي ، ويدرسونها في معاهدهم وجامعاتهم .
وبهذه الخطة المدروسة بعناية وإتقان قد استطاع هذا العدو الثالوث لعالمنا العربي الإسلامي أن يحقق هدفين بحجر واحد :
أولهما : إشباع رغبتهم في إثراء اللغة العربية بنقل كتب الفلسفة والآداب والتاريخ الأجنبية إليها .
ثانيهما : أن أموال وجهود العرب والمسلمين تهلك في أمور لا تنفع ولا تحقق لهم الاكتفاء الذاتي في أي مجال من مجالات الحياة البشرية بل تكون أمة مستوردة لكل فكر وابتكار واختراع ولن تكون منتجة قائمة بذاتها .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب” (الرعد : 17-18) .
من الهدي النبوي
“إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما ، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقا ، فهذا أفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا ، فهو صادق النية يقول : لو ان لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما ، فهو يخبط في ماله بغير علم لايتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأبخث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، فوزرهما سواء” (رواه الترمذي) .
من الأدعية المأثورة
“اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر” (رواه مسلم) .