لمدينة 2ربيع الأول 1400ه
إن الذي يتتبع أحوال المسلمين في الهند بعد دخول الانجليز إليها في زي التجار ثم سيطرتهم على البلاد بوسائل التزلف والإيقاع بين أبناء الشعب يجد أنه لم يخل جيل من المسلمين من المجاهدين الحريصين على رفع راية الجهاد ضد الانجليز لإخراج هؤلاء المستعمرين وتخليص البلاد من براثنهم .
وقام العلماء المسلمون بتضحيات كثيرة في سبيل إنقاذ وطنهم من المستعمر الوافد المتحكم واتخذوا أساس جهادهم ضد أعداء الوطن من الإرشادات القرآنية التي تحرم على المسلمين أي لون من ألوان التعاون مع أعداء الإسلام والمسلمون واعتبروا الانجليز المغتصبين للهند والمتربصين بالمسلمين المجاهدين الوطنيين في كل مكان ، أعداء لهم ويجب عليهم الكفاح للتخلص من سلطانهم ، وفي عام 1803م صدرت الفتوى المعروفة ضد الانجليز والتي تقول (إن الهند ما دامت تحت سلطان الانجليز فإنها قد تحولت إلى دار حرب ، ويجب على كل مسلم ومسلمة أن يعتبر الانجليز أعداء له ، يجب عليه حربهم والتخلص منهم ، ويحرم عليه التعاون معهم حتى يخرجوا من البلاد) .
واتخذ العلماء الهنود المجاهدون وعلى رأسهم الشيخ “شاه عبد العزيز الدهلوي” أساسا هذه الفتوة من قوله تعالى :”يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة (الممتحنة : 1) .
وكذلك قوله تعالى :”يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه معهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” (المائدة : 51) . وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنبه المسلمين ضد مؤامرات أعدائهم ، ومن أجل هذا ظلت هذه الفتوى شعار الثوار ضد الانجليز عام 1857م لألهاب الحماس في نفوس المسلمين ضد الانجليز الذين سلبوا منهم الحكم وسيطروا بالحيل والمكائد على البلاد فصار المسلمون في مقدمة دعاة الاستقلال التام وطرد المستعمر وإخراجه من الهند ,
ومن العلماء المسلمين المجاهدين الذين تقدموا الصفوف وحملوا راية الجهاد ضد الانجليز العالم الكبير “محمود الحسن” الملقب بشيخ الهند ، وكان محمود الحسن أول طالب تخرج في مدرسة دار العلوم “ديوبند” التي أنشأها العلماء المجاهدون لتكون القلعة الدينية والوطنية لمسلمي الهند وقد تخرج هذا الطالب الثائر سنة 1877 م – 1290 هـ وانطبعت في ذهنه منذ الصغر المناظر المثيرة التي صاحبت قيام الثورة الوطنية التي اندلعت شرارتها من البلدة التي كان يعمل فيها والده “نور الفقار علي خان” فأحس وهو شاب روح المرارة التي أحسها العلماء المجاهدون الذين تلقى منهم العلوم العربية والدينية مع روح الكراهية للإنجليز ، فلما بدأ يدرس في الدار التي تخرج فيها أخذ هو بدوره في تلقين دروس الجهاد والتضحية لطلابه ، ولكن الشحنة التي تلقاها من أساتذته المجاهدين من أمثال مولانا محمد قاسم نانوتوي مؤسس دار العلوم ، ومولانا رشيد أحمد الجنجوهي وغيرهما من الذين تولوا تربيته وتنشئته كانت أقوى من أن يفرغها في ميدان الدروس ، فبدأ يبحث عن ميادين أخرى عملية ليفرغ فيها هذه الشحنة التي ترسم له ولمواطنيه فكرة الجهاد ضد العدو والدخيل وإخراجه من الوطن وأسرع بالاتصال بمعاقل المكافحين في شتى أنحاء البلاد وتنظيم الحركة مع رجالها ضد العدو الغاصب ، كان الانجليز يحاولون بألاعيبهم ودسائسهم تفرقة صفوف المحاهدين ولكن أمثال الشيخ محمود الحسن ن أصحاب الهمم والعزائم كانوا يتخذون دائما من عوامل اليأس شعلة تلهب جذوات العزائم فيهم وتدفع إلى الأعمال المستمرة التي تبقى مدى الدهر دروسا للمكافحين وعظات للمجاهدين .
وكانت الفكرة التي يعمل لها هذا الشيخ المجاهد وهي إخراج الانجليز من الهند ، بل ومن البلاد الإسلامية جميعها التي استعمروها بحجة تأمين طريقهم للهند التي كانوا يطلقون عليها اسم “درة التاج البريطاني” وكان هؤلاء المجاهدون يعتقدون بثاقب فكرهم وواسع إدراكهم أن الانجليز حينما يفقدون الهند لا يجدون مبررا للبقاء في البلاد الأخرى مثل شبه الجزيرة العربية والجنوب العربي ومصر وغيرها وكانت العاطفة الإسلامية المتأججة الوطنية الخالصة في نفوسهم تبعث فيهم الشعور الفياض الأخوي نحو البلاد العربية التي كانت تئن تحت نير الاستعمار الغاشم ، وكانوا يحسون أن الهند لو تحررت من مخالب الانجليز لما وجدوا ضرورة لاحتلال كثير من البلاد الإسلامية .