المدينة ربيع الأول 1400/9
كان حديث الكاتب بالأمس عن فكرة الجهاد الذي تولاه علماء الإسلام بالهند وكيف حرموا على أنفسهم أي لون من ألوان التعامل مع الأعداء وأخذوا يتصلون بمعاقل المجاهدين في أنحاء العالم الإسلامي حيث لم يكن جهادهم لتحرير الهند فقط ، بل تحرير سائر ديار الإسلام من كل معتد أثيم .
كان إحساس الجهاد يؤرق هؤلاء الزعماء المسلمين باستمرار ومن الوسائل التي أعدها هذا الزعيم المسلم الشيخ محمود الحسن وأنصاره لتحقيق هذا الهدف المنشود .
أولا : إثارة النفوس ضد الانجليز وتقوية عزيمتها وشد إزرها للاستمرار في حركة التحرير والقضاء على هؤلاء الدخلاء المستبدين .
ثانيا : إثارة المتاعب والمشاكل في وجه الحكم الانجليزي في الهند حتى يخرج منها المستعمر أمام سخط الشعب وضغطه .
ثالثا : تعبئة الرأي العام المسلم ضد الانجليز فإنهم قد ساعدوا الدول الاستعمارية الأخرى أيضا في احتلال البلدان الإسلامية في شتى أنحاء العالم .
وإن الشيخ المجاهد “محمود الحسن” وجد نفسه بين شعب يئن تحت وطاة الاستعمار المستبد في وطنه ، وبين وسائل الانجليز المختلفة لتشتيت قوى المسلمين في خارج الهند فأراد أن يسافر إلى الخارج ليتصل بأعداء الانجليز في كل مكان ويتفق معهم على وضع الخطط اللازمة لإنقاذ العالم الإسلامي من براثينهم ولكن عيون الانجليز كانت ترصد حركاته وتراقب تصرفاته وعلى رغم ألاعيبهم وعراقيلهم استطاع الشيخ المجاهد أن يبدأ رحلته إلى الخارج ، مارا بمركز الحراكات الوطنية المتوثبة في أنحاء الهند ، في موسم الحج حتى تتنسى له الفرص للاتصال بزعماء العالم الإسلامي ، ورجال الحركات التحريرية ، وكان الزعيمان الهنديان المسلمان مولانا محمد علي ومولانا شوكت علي على رأس انصاره في الكفاح الوطني والإصلاح الديني وصارت تلك الرحلة التي بدأها في شوال سنة 1337 هو 1915م نقطة تحول في تاريخ كفاح المسلمين في الهند ضد الاستعمار وتلتها الحوادث بسرعة أفسدت كل المؤامرات التي دبرها الانجليز ليقبضوا على الشيخ المجاهد وأنصاره ، وتخرج من مدرسته هذه علماء مجاهدون حملوا السلاح وقادوا الجيوش لحرب المستعمر وسمومه ضد الإسلام والوطن .
وفكان المسلمون في الهند بهذا الوضع الأعداء الألداء للمستعمر وهم ينفرون منه ومن نظامه وثقافته مع أن هذا التاريخ الإسلامي الحافل في الهند من صنع حضارة إسلامية موطدة الأركان في تلك البلاد وجهود جبارة في حركة تحرير الهند وموقفهم من الاستعمار ما زال مجهولا من قراء العربية وحيل بينهم وبين هذه الصفحات المجيدة من هذا التاريخ الإسلامي المشرف على الهند سنين عديدة لقلة المعلومات عن المسلمين وتاريخهم في تلك البقاع وجهودهم لتحرير البلاد .
وحينما تناول بعض الكتاب الذين نشروا مقالات أو بحوثا عن هذا التاريخ الإسلامي نجدهم اعتمدوا على مصادر تاريخية عنيت بإلقاء الأضواء على شخصيات خاصة دون أخرى فلم يجد المسلمون المجاهدون الذين كانوا دائما سابقين إلى التضحية النبيلة من أجل تحرير بلادهم وخدمة أمتهم من ينصفهم حين كتابة تاريخ الحركة التحريرية والإصلاحية للبلاد .
ومن الواجب على كل من يعتني بمعرفة تاريخ المسلمين جميعا كأمة واحدة يظللها علم الإسلام الوقوف على تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند منذ ظهور الإسلام حتى انهار حكم المسلمين فيها على يد الانجليز ثم جهادهم وعملهم المتواصلين لتحرير بلادهم من المستعمر فإن معرفة هي الوسيلة الأولى لتوطيد ركت التقارب والتعاون بين الأفراد والجماعات ولربط الماضي بالحاضر فترى أن المسلمين الذين تشبعوا بتعاليم الإسلام الحقة لا يصبرون بحال من الأحوال على السير في ركاب المستعمر أو مهادنته ، فالأمة المسلمة بعقيدتها ومثلها العليا ترفض الاحتلال والخنوع أمام المستعمرين ، ومن أجل هذا رأينا العلماء المسلمين المجاهدين في مقدمة من حملوا راية حركة التحرير والنضال ضد المستعمرين والطغاة في كل زمان ومكان .