الخليج اليوم – قضايا انسانية
نستعرض الآن باختصار الدور الكبير الذي لعبه العلماء العرب والمسلمون في النهوض بعلوم البحار وإسهامهم العظيم في جعل الحركة البحرية في المكانةة التي وصلت إليها في عصرنا الحاضر .
إن هي إلا فترة قصيرة من ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية حتى رأينا الأمة التربية الإسلامية تخضع أكبر الأمبراطوريات التي عرفها العالم القديم ، ثم رأينا النشاط العلمي ينساب في كل بقعة نزلوا فيها ، وقد شمل هذا النشاط كل العلوم النظرية والمعملية (العملية) ، لأن الإسلام دين حضارة ، ودين يخاطب العقل ويدعو إلى الاجتهاد ، ولم يدخر العلماء العرب المسلمون وسعا في النهوض بشتى نواحي الحضارة الإنسانية وكل الفروع للعلوم البشرية .
والذي يتتبع مساهمة المسلمين في النهوض بعلوم البحار والاكتشافات البحرية والأجهزة الملاحية .
وفي تطوير الآلات الفلكية اللازمة لتقديم الحركة البحرية يرى دورهم في ربط الموانئ والجزر المتناثرة في شتى بقاع الأرض ، كما لا يخفى على الباحث العلمي والتاريخي قصة إرشاد الملاحين العرب “لفاسكودي جاما” إلى الهند لأول مرة وقصة وصول العرب إلى أمريكا قبل “كولمبس” ووجود قبائل عربية في القارة الأمريكية منذ قرون عديدة ، وغيرها من التحقيقات العلمية والتاريخية .
القرآن والعلوم الكونية ..
وكان القرآن الكريم المصدر الأول لتشجيع العرب والمسلمين على الاهتمام بعلوم البحار وغيرها من العلوم الكونية . وفيه من الآيات المتعلقة بالبحار والفلك التي تجري فيها ، ثمانية عشرون آية . وقد جعل الله سبحانه وتعالى من آياته الدالة على قدرته ، هذه السفن وتلك البحار . ووضح مقدار نعمته التي أسبغها على عبادة بطريق البحار والأنهار ، إذ قال : “الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعللكم تشكرون” وأيضا يقول : “ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك التي تجري في البحربأمره” .
“ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظلله رواكد على ظهره أن في ذللك لآيات لكل صبار شكور ” .
ثم فصل القرآن بعض الفوائد التي يجنيها الإنسان من البحار والأنهار ، إذ قال : “وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ” . و”والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ” .
وقد أوضح القرآن الكريم في هذه الآيات ما يحيط بالبحار وبالسفن والرحلات البحرية ومنافعها . وكان للعرب دراية خاصة وعلم بمهاب الرياح واتجاهاتها وحالى الطقس وغيرها من فروع العلم الذي يعرف اليوم “بالإرصاد الجوية” . وقد عرف الملاحون منهم أنواع الهواء ، وقسموا الرياح إلى اثني عشر نوعا ، ووضعوا لكل نوع اسما خاصا به ، ومنها : الجنوب والشمال ، والدبور ، ونكباء ، وصاروف ، وأزيب ، وداجن ، وحرجف ، وغيرها . وأن كتاب “الأنواء” لأبي حنيفة الدينوري المتوفى سنة 282هـ يعد أهم كتاب ألف في هذا الموضوع .
العرب والنجوم الملاحية ..
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن النجوم الملاحية ومساهمة العرب في اللنهوض بهذا العلم ، فنجد أنهم كانوا أهل فن كامل لذلك ، كما أشار إليه القرآن الكريم : “وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلناا الآيات لقوم يعلمون ” . وكذلك قوله تعالى : “وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ، وعلامات بالنجوم هم يهتدون” . .
ولا شك في أن هذه الآيات تشير إلى ما كان للعرب عامة ولقريش خاصة من تجربة ذاتية في الأسفار البحرية ، كما أن في هذا النوع من التصوير أثرا عظيما وإحساسا كبيرا في قلوبهم . وكان الملاحون العرب يعرفون مواقع البلاد ويقدرون المسافات بالنجوم وما بينها من منازل . وقد اشتملت رسالة “أبي ماجد” الملاح ، و”سليمان المهوى” على ذكر الآلات والأجهزة البحرية التي كانوا يستعينون بها . وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما يلي : وكانت للملاحين العرب مهارة فائقة في مختلف الفنون البحرية من وقت “فاسكودي جاما” مما لم يكن عند البرتغاليين منه شيئ ” .
اختراع البوصلة البحرية ..
ومن الأجهزة البحرية الهامة التي اخترعها العرب “البوصلة البحرية” التي ساعدتهم على القيام بأسفار بحرية إلى جميع أنحاء العالم طلبا للعلم أو التجارة وغيرهما من نواحي النشاط الإنساني المختلفة . وكان لعرب الأندلس في أيام الرخاء أسطولتجاري يزيد على ألفي قطع ، كما كان لهم علاقات تجارية بحرية عظيمة مع القسطنطينية تتفرع من البحر الأسود وسواحل البحر الأبيض الشرقية ثم تتوغل في أعماق آسيا وتصل إلى موانئ الهند والصين وتمتد على طول الساحل الأفريقي .
فضل العرب على أوروبا…
وينبغي لنا أن نذكر في مختتم هذا الحديث ما كتبه الكاتب الإسلامي المعروف السيد “أمير علي” في صدد كلامه عن فضل العرب على أوروبا إذ قال : “وفي أواسط القرن العاشر حين كانت أوروبا على نحو ما عليه الآن بعض مجاهل أفريقيا – في التخلف العلمي والانحطاط الاجتماعي – كاان العرب المستنيرون يؤلفون البحوث في أصول التجارة وعلوم الرحلات والأسفار البحرية وينشرون سجلات جغرافية ورسائل علمية تحتوي على أدق الأوصاف للأماكن التي تضمنها كل منها ، مع بيان الطرق والمسالك وغيرها من الأمور الضرورية وذلك ترغيبا في الأسفار والرحلات ، كما قام رحالة كثيرون أمثال : “ابن بطوطة” و”ابن ماجد” بزيارة البلدان الأجنبية رغبة في الحصول على المعلومات وألفوا الكتب الضخمة في وصف تلك البلاد وشعوبها ومعالمها وظروفها الجوية والطبيعية وصفا ينم على الفطنة ودقة الملاحظة ” .
وهكذا ساهم العرب والمسلمون في ظل الحضارة الإسلامية في تشديد صرح الحضارة الإنسانية العامة ومهدوا الطرق لرفاهية البشرية جمعاء .