الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 11-ديسمبر-1985 م
من المفهوم والمعروف – حقا وواقعيا – أن الإسلام رسالة ربانية عالمية خالدة ، تخاطب الناس جميعا تتناول القضايا الإنسانية المتعددة وتحل مشكلات العالم المختلفة . وأن طبيعة النظام الإسلامي الكامل يحتم على العالمين لنشر رسالته في العالم ، وعرضها على الناس في كافة المستويات والجهات ، أن يقدموا إلى البشر كافة ، في شتى اللغات وبشتى الوسائل ، على المستوى العالمي وعلى المستوى المحلي . وأما الصحافة تلعب دورا هاما وبارزا في تأدية هذه المهمة . وأن إيصال الدعوة عن طريق الصحف والمجلات والجرائد العالمية والمحلية في مختلف اللغات ، يثمر نتائج إيجابية طيبة .
من كتب قر ومن حفظ فر !
وأن الكلمات المقروءة والمكتوبة على صفحات الكتب والمجلات والصحف ثابتة يمكن للقارئ الرجوع إليها عتد الضرورة ويكرر مطالبتها وقراءتها وحفظها حسب الحاجة ، عكس الكلمات المسموعة أو المرئية .
ومن هنا تتضح أهمية الصحافة ودورها الفعال في العمل الإسلامي الناجح من واقع التاريخ ، القديم والمعاصر، نرى أن إنشاء الصحف وكتابة المقالات ونشر المطبوعات قد لعب دورا ملموسا في نشر الوعي الإسلامي ، في كل بقعة نشط فيها طابع العلم الإسلامي بتنظيم وتخطيط سليمين ، وأهم وأقرب مثل على ذلك نظام سير حركات الدعوة الإسلامية في أوروبا وفي الهند وباكستان ، وفي السنين الأخيرة في البلاد العربية وأمريكا ، وكانت الصحف والكلمات المكتوبة على صفحاتها تخاطب الناس في تلك البقاع ، أكثر من الكلمات المسموعة مباشرة من أقوال الدعاة ، مع أن الاستفادة من الكلمات المسموعة مشافهة أو مسجلة – في العصر الحديث – تحتاج إلى التجمع والتنظيم والتكوين ، وأما الاستفادة من الكلمات المكتوبة والمقروءة لا تتطلب وقتا خاصا وحيزا محجوزا ، في عرف الاصطلاح العصري الحديث .
أهمية القلم في منظور القرآن
وجدير بضرورة الاستعادة إلى الأذهان في هذا الصدد ، وفي معرض الكلام عن دور الصحافة والكتابة في نشر الدعوة الإسلامية ، عناية القرآن الكريم بالكتابة وأداته المعروفة اللازمة “القلم” ، إذ تناول أول ما نزل من القرآن الكريم ، القلم وأهميته فقال : “اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ” (سورة العلق) . ونزلت بعد سورة العلق سورة “القلم” : “ن والقلم وما يسطرون ” .
ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى كانت السورة الأولى التي نزلت من القرآن والسورة الثانية التي نزلت بعد سورة العلق أيضا ، قد تناولت في مستهل الوحي “القلم” الذي هو أداة التعليم والكتابة ووسيلتهما الأولى بكل المعاني والمعايير والمفاهيم . وجدير بالملاحظة بقلب واع وعقل حاد وفهم سليم ، قوله تعالى بكل إيجاز وإعجاز : “والقلم وما يسطرون” . أما أن “السطر” هو الذي يزين الصحف ؟ أليس “السطر” العمود الفقري للصحافة كلها ؟ وهل كان القرآن الحكيم ينبئ بشأن الصحافة ودورها في العالم اليوم ، قبل أربعة عشر قرنا ؟
ومنذ أول يوم لصدورها دأبت جريدة “الخليج اليوم” على القيام بدورها الفعال – ولو بنطاق ضيق ومحدود حسبما تسمح الظروف والإمكانيات مع حداثة عمرها وخبراتها – في مجال تعميق الفكر الإسلامي الصحيح ، وتقديم القضايا الإسلامية ، وبصورة مؤثرة وبوجه مطلوب ، بدون إفراط وتفريط .