الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 27-يناير-1986 م
إن العقيدة الإسلامية هي أساس كيان العالم العربي وأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو رحمة الذي أبرزه للوجود كوحدة موطدة الأركان ومدعمة الأساس ومتراصة الصفوف ، لأن العرب كانوا قبل ظهور الإسلام وحدات مفككة الأوصال وقبائل مختلفة ومواهب مبعثرة ، وكانوا عرضة لمطالع اللدول المستبدة المجاورة .
ومنذ أم هبت عليهم نفحة الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلمهم الكتاب والحكمة قد أصبح العالم العربي مهد الإسلام وحصن الحضارة الإنسانية القائمة على الإيمان والحق والعدل ، وقد خلق الإسلام من الأمة العربية المتناثرة في القبائل والعادات والتقاليد البالية ، أمة ناهضة بل وقائدة للعالم الإنساني إلى النور والعرفان . وبهذا الإيمان والقوة المعنوية وروح التضحية انتصر العرب على الدول والحضارات القديمة ذات قوى مادية عديدة مثل حضارة الأمبراطورية الفارسية وحضارة الأمبراطورية الرومية والحضارة الفرعونية وغيرها .
دور اللغة العربية الفصحى
والعنصر الرئيسي الآخر من مقومات الشخصية العربية هو اللغة العربية الفصحى التي هي وعاء القرآن والعلوم الإسلامية كلها ، وأن اللغة العربية هي أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق ، ولأسرار وحكم يعلمها خالق البشر اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد كما أشار إليه قوله تعالى : “وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين” .
ومع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمين . وأن لها فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي والإسلامي وتقدم العلوم والفنون والآداب العربية . أن اللغة العربية تربط بين العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي ، لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية ، وأما الترجمة فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن .
وأن هناك خطة خفية لانتزاع حبل اللغة العربية الذي يعتصم به العرب والمسلمون كأهل مصدر لوحدة الفكرية بينهم جميعا ، أو لانتقاص أهميتها في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم العربي الإسلامي ، فإن الاهتمام باللغة العربية والعمل في سبيل النهوض بها ونشرها والإحساس الدائم بأن النهضة العربية المميزة لا تكتمل دعائمها إلا بنهضة اللغة العربية وعلومها وإثرائها والانتماء إليها بكل فخر واعتزاز .
هدف الغرب من إضعاف العرب
وأما العالم الإسلامي غير العربي فينظر إلى المنطقة العربية ، فضلا عن اعتبارات القوة والثروة والاستراتيجية ، كأنها مركز القيادة والريادة للنهضة الإسلامية وتقدم المجتمع الإسلامي ، لأنها قد أصبحت بعد البعثة المحمدية طليعة أمة الإسلام ورائدة العلم والحكمة وحاملة لواء دعوة الإسلام إلى شتى بقاع الأرض ، فحملت الأمة العربية أعباء الدعوة والجهاد بتضحيات وإيثار وإيمان . وتلك هي الأمة العربية القوية السليمة التي سجلها التاريخ بمداد من نور ، ومن هنا قيل : “إذا عز العرب عز الإسلام وإذا ذل العرب ذل الإسلام ” .
وأن المستعمرالغربي والشرقي الذي يعرف هذه الحقيقة يدرك بدهائه وبثاقب فكره ومكره في إضعاف العرب ، إضعاف المسلمين جميعا ، وأن في استعمار بلادهم توطئة لبث نفوذه على العالم الإسلامي والشرق كله .
وبفضل المقومات الممثلة في العقيدة المتينة واللغة العربية الفصحى خرج العرب في القرن السادس للميلاد ، من حدود جزيرتهم ومن ضيق الحياة فيها ، ومن ضيق التناحر والتحارب القبلي ومن عالم المعتقدات الجاهلية البالية ، إلى عالم من السيادة الروحية والعلمية والسياسية فأخرجوا الأمم الأخرى من غياهب الظلام إلى النور ومن الجهل إلى العالم ، وأقاموا عالما ناهضا على أساس العقيدة الواحدة والمساواة الإنسانية الكاملة والعدالة الشاملة .
العروة الوثقى
وصارت في أيدي العرب قيادة العالم وبجدارة واستحقق مدة طويلة فأحبهم الناس في كل مكان نزلوا فيه اعتبرتهم الأمم المفتوحة منقذيها من الضلال والوثنية والخرافات والظلم والاستبداد . وكانت لغتهم هي لغة العلم والحضارة كما أنها اللغة الحبيبة لجميع المسلمين . ونبغ فيها فطاحل العلماء في جميع فروع العلوم والفنون والآداب . وصارت آدابهم وعاداتهم الاجتماعية في المأكل والمشرب والملبس محل الإعجاب والقدوة في أرجاء العالم الإسلامي كله ، فلا زالت مظاهر هذا الإعجاب متأصلة في عادات الشعوب المسلمة في البلاد الهندية وبلاد الشرق الأقصى والبلاد الأفريقية .
وهذه هي المقومات المميزة التي يجب أن يحرص عليها العالم العربي الإسلامي أشد الحرص ، وأخوف ما يخاف أن يعود كما كان قبل البعثة المحمدية إذا تخلى عن هذه الخصائص التي بها تحول من حال إلى حال ، أو أن يذوب في طوفان التيار الغربي الخادع ، فليس بغريب أن يكون جميع المستعمرين وتلاميذهم يحاولون كل المحاولة لتجريد الأمة العربية من حبل العقيدة واللغة العربية الفصحى التي هي العروة الوثقى لا انفصام لها .