الخليج اليوم – قضايا انسانية –26/11/1985
قال الله سبحانه وتعالى موجها القلوب ، ومحذرا العقول ، في كتابه الخالد الذي جاء دستور الحياة النظامية للإنسان في كل زمان ومكان : “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ” . وفي آية أخرى يقول : “أيحسب الإنسان أن يترك سدى ، ألم يك نطفة من مني يمنى ، ثم كان علقة فخلق فسوى ” .فلا بد لكل مسلم أن يترك تماما أنه لم يخلق عبثا ، ولن يترك بدون حساب دقيق عن كل لحظة من حياته ، وعن كل حركة وسكنة من حركاته وسكناته .
ولم يخلق لكي يضيع سدى في متاهات دروب الحياة بدون هدف ولا غاية فلا بد أن يدرك دوره في هذه الحياة الدنيا ، وأن دوره هو أن يقود نفسه وأهله وعشيرته وبني جنسه كلهم ، إلى التقدم نحو الخير والنور على الوجه الذي أراده لهم الخالق سبحانه وتعالى .
دور الهداية والريادة
وإلى هذا الدور الطبيعي الذي يجب أن يستقر في ذهن كل مسلم يشير قوله تعالى : “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” . وإذا نسي المسلم هذا الدور وذلك الهدف من الحياة فيضيع في غياهب الحياة بدون هدف وأمن وسلام ، فيتأخر عن ركب الحياة الناجحة ويصير أضحوكة العالم ، ويقع ألعوبة في أيدي الدهاة والطغاة فيسخر الدنيا والآخرة ، إنه لخسران مبين .
وإما الدور الذي يطلب منه الإسلام فهو دور الهادي إلى نور الحق والرائد في مجال خدمة الخلق على بينة وبصيرة . ويتصف المجتمع الذي يتكون من مثل هؤلاء الأفراد ، بصفات خير أمة أخرجت للناس وبخصال أمة حية ناهضة دعا إليها الأنبياء والرسل جميعا : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” . وبهذه الصفات الثلاث تتحقق لأمة الإسم صفة “الخيرية” وتمثل الصفة الأولى أي الأمر بالمعروف جميع أنواع الأعمال الصالحة ، والخدمات النافعة والإرشادات التوجيهية لتعمير الأرض وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع الإنساني بينما تمثل الصفة الثانية أي النهي عن شتى أصناف التوجيهات لإنقاذ البشرية عن ويلات الجهل والفقر والظلم والانحلال والأفكار الهدامة والأعمال الفاسدة وبالاختصار الأذية بيد الإنسانية لإنقاذها من المهالك إلى شاطئ الأمان ، وأما الصفة الثالثة أي الإيمان بالله تعالى فهي تمثل التحول الفكري إلى الأفضل والأقوم بعيدا عن الخرافات والترهات والخزعبلات ليكون قلب الإنسان مطمئنا وهادئا وسعيدا بالتوجه إلى ربه الخالق الرازق الوهاب ، ومن هنا يقول التراث : “ألا بذكر الله تطمئن القلوب ” . ثم يقول الله تعالى مشيرا إلى النتائج المترتبة على هذا النوع من الحياة الهادفة البناءة المثمرة :”لله يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .
خصلة التغيير
من أهم وسائل الإسلام لإصلاح المجتمع ، وهداية البشر إلى حياة أفضل ، خصلة التغيير أي التغيير النفسي الحقيقي وليس التغيير اللمظهري الشكلي . وقال دستور الإسلام : “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” . ومن الواقع المعوج واقعا قويما ، ورفع شعوبا من الحضيض كل الأوج ومن الأسفل إلى القمة وكل هذا أو ذاك في فترة وجيزة وبطريقة واضحة المعالم وبوسيلة سهلة اللمنال .
الدور القيادي
وأن دور المسلم في هذه الحياة الدنيا دور قيادي وليس دورا انهزاميا ، ودور إيجابي وليس سلبيا ، ودور القائل : “أنا هنا ولي دور فيه” ، وليس دور القائل ، “أنا ما لي؟ ” وأن هذه الحالة المتفاوتة بين الفريقين ناتجة عن تقييم كل منهما للحياة الدنيا فإن المؤمن العاقل يدرك أن هذه الحياة الدنيا متاع وزينة ، وذلك المتاع إنما جعله الله تعالى للاختبار والابتلاء “إنا جعلنا ما على الأرض زينة لهم لنبلوهم أيهم أحسن عملا ” . وأما الكافر المغتر فيجعل الدنيا منتهى آماله وغاية تطلعاته فلا ترقى اهتماماته إلى الأعلى ، ولا ترتفع هممه عن مستوى التراب الذي يمشي عليه ولا ينظر إلى ما وراء هذه الحياة .
وأن تفاوت أدوار الناس في هذه الحياة الدنيا يكون بقدر تفاوت نظريات إليها ، بين معتقد أنها دار المقام الدائم ، وبين متذكر لحقيقة هذه الحياة الدنيا وأنها دار عمل وكفاح ، وكما أنها مزرعة الآخرة ، فدور المسلم فيها عمل ، وجد وكفاح وتوجيه وقيادة بدون هوادة ، فيكون له شأن يذكر وتاريخ وضاح الجبين .